(تفش غبينتك تخرب مدينتك) عبارة يختم بها الامام الصادق المهدي رئيس حزب الامة القومي حديثه قبل الصعود الى سيارته كلما خاطب جموع الانصار عقب الصلوات التي يؤمهم فيها .. الامر الذي يعتمده كثيرون على حجم التعبئة التي يستشعرها الانصار ويكبحها الولاء والطاعة للإمام ، وتدلل على مدى المكانة السياسية للمسجد الاعرق في البلاد ربما،باعتباره منبراً للوعي بالدين والدنيا .. قرارات كثيفة تكتنف الخرطوم سواء الصادرة من عمق دوائر صنع القرار الحكومي تشكيلاً أو اقالة او تلك المدبجة بختم المعارضة وتلقي بظلالها على حياة الشعب.. الاخيرة قراراتها ظلت محل احتفاء بدا خجولا بفعل التعتيم الاعلامي ربما، لكن آخرها وكان اعلى صوتاً تمثل فيما أصدره المكتب السياسي لحزب الامة القومي بمنع انطلاقة أية تظاهرات احتجاجية من داخل مسجد الامام عبد الرحمن بأمدرمان-اذا صح الخبر- معززاً قراره بدفوعات تلخصت في أن المسجد للعبادة وليس للاحتجاجات. مسجد الامام عبد الرحمن أو مسجد الانصار بود نوباوي عاد الى مركز الاحداث بعدما فضله المحتجون على غيره من المساجد الفخيمة، كمركز انطلاق يحمل هموم امة تنادي بسقوط نظام .. ليضاف لرصيد المسجد السياسي تاريخ جديد يلعبه في مسيرة وطن مثخن بالجراح.. كثيرون يرون ان قرار المكتب السياسي للامة أمس الأول تعبير عن غيرة مستبطنة من الدور السياسي الذي ظل يلعبه مسجد الانصار في التاريخ الوطني ، ويرى مولانا آدم أحمد يوسف نائب الامين العام لهيئة شئون الانصار أن مسجد ودنوباوي لم تغب اسهاماته الوطنية منذ فجر تكوينه على يد الامام عبد الرحمن في ثلاثينيات القرن الماضي وأسماه بمسجد الهجرة، لينطلق منذ ذلك الوقت في ممارسة دوره الدعوي والإرشادي والتوجيهي والتعبوي دينياً ووطنياً، مروراً بأربعينيات القرن حينما كان امامه السيد علي المهدي. مسيرة المسجد التاريخي التوعوية ربما كانت تقديرات القدر أن تحفر لنفسها مكاناً بارزاً في التاريخ السياسي السوداني وضع سطورها الاولى منذ أولى مواجهات الانصار مع النميري في مارس 1970م ، مسطراً اسمه بأحرف مكتوبة بالدماء .. تصدر مسجد ودنوباوي للأحداث والقضايا الوطنية لم يتراجع في عهد الإنقاذ، ويرى نائب الامين العام أن الانقاذ ضاقت ذرعاً بهذا الدور فقامت باعتقال عدد من أئمة المسجد على فترات متفاوتة ، رغم أنه ظل دوراً ينأى بنفسه عن التراشق والمهاترات.. ثمة ما يدعو للقول ان قرار المكتب السياسي جاء لحماية الرمز التاريخي خصوصاً بعد أحاديث قيادات حكومية عن عدم سماحهم باخفاء أدوات الاحتجاج في المساجد، كالملتوف أو غيره، الامر الذي قوبل بالتكذيب من دوائر ناشطة ، ملخصةً موقف المكتب السياسي باعتباره تعبئة من اتجاه آخر ، مدللين على ذلك بتوجيه الجماهير الى ميدان الخليفة كونه يسع الجميع، ما يعني تشجيع الجماهير على التزايد والالتفاف بالاضافة لقرب الميدان من المركز مقارنةً بود نوباوي .. مسيرة المساجد في سياسة الخرطوم تبدو خافتة مقارنةً بعواصم الربيع العربي الاخرى كالقاهرة التي ربطتها بصلاة الجمعة حيث تتزايد الحشود، وربما بحكم الترتيب الإخواني المبكر ، لكن مراقبين في الخرطوم يرون أن التجربة الاسلامية في الخرطوم استبقت القاهرة لذا فإن دور المساجد في العمل السياسي بدأ مبكراً، ويدللون على ذلك بدور مسجد الجامعة في اجتماعات الاسلاميين ، بالإضافة لمساجد اخرى شهدت اجتماعاتهم وترتيباتهم. ارتباط الاحتجاجات الخرطومية بأيام الجمع أو بالمساجد ، وجدت تردداً من قطاع عريض من المهتمين والمتابعين لجهة ارتباط ذلك بمدلولات دينية رغم ان الشعارات الاحتجاجية في الاصل خدمية ومطلبية وسياسية. آخرون يرونها مبرراً شرعياً للتجمع والحشد في ظل الرقابة المشددة في البلاد بدعوى الاستهداف. في المقابل فسر آخرون حرص المحتجين على المسجد التاريخي لارتباطه بشعاراته صدقاً وتفضيله قول الحق على الخوف من ملامة لائم الأمر الذي جعل البعض يحتج بشدة على خطوة لإيقاف انطلاق الاحتجاجات من داخل المسجد .. مسجد يضعه البعض في دائرة الاتهام بممارسة السياسة في وضح النهار.