(اللولاي) الذي يعرفه الناس، ممارسة يقوم بها الكبار لتهدئة خواطر الصغار بعد تلقي أحد الأطفال (علقة ساخنة)، أو لحمل الطفل على النوم بسرعة كي لا يسبب الكثير من الإزعاج ، وارتبطت تلك المفردة الشعبية ببكاء الطفل المفطوم حديثاً عن حليب الأم الدسم اللذيذ ، فقيل في المثل الشعبي السائر : (مفطوم اللبن ما بسكتو اللولاي ..) ..! (اللولاي) الذي نحن بصدده في هذه المنصة، ورد على لسان مولانا أحمد هارون والي جنوب كردفان في مناسبة تأبين رئيس المجلس التشريعي الراحل برصاص الحركة الشعبية، إذ قال هارون مخاطباً الحركة :(اللولاي انتهي .. و تاني كوماج وقطع ناشف بس). و(الكوماج) كما يقول العارفون بسر اللهجة الشعبية ، هو (الدواس) المعروف عند الرحل المقاتلين من أهل السودان ، أي المواجهة والمجابهة والمقاتلة والمبارزة. أما (القطع الناشف)، فهو الصرامة والحزم ومعاملة الغريم بطريقة بعيدة عن اللين و(الانبطاح). (الكوماج) بين الحكومة والحركة الشعبية دائر بالفعل في ميدان العمليات العسكرية ، فمنذ ان رفض عبد العزيز آدم الحلو الاعتراف بخسارته في انتخابات والي جنوب كردفان العام الماضي ، بدأت قواته (الكوماج) مع قوات الحكومة المركزية ، ورغم أن قوات الحلو فشلت في السيطرة على كادوقلي وغيرها من المدن والبلدات الإستراتيجية ، إلا أنها تقوم بين الفينة والأخرى بغارات سريعة ومباغتة بهدف خلق حالة من التوتر والإزعاج في معسكر الحكومة. (القطع الناشف) بدوره ميز طريقة تعامل الحكومة سياسياً طوال الفترة الماضية مع الحركة الشعبية سواء في الجنوب أم الشمال ، فعقب تلكؤ الحركة الشعبية الأم في دفع فواتير تصدير نفطها عبر الشمال ، قامت الخرطوم بأخذ نصيبها عيناً من براميل النفط وبيعها لتجار النفط الدوليين، كما مارست الخرطوم سياسة (القطع الناشف) مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية عندما رفضت اتفاق أديس أبابا الإطاري الذي نص على نزع سلاح قطاع الشمال ودخوله في شراكة سياسية مع الوطني على المستويين الولائي والاتحادي، كما اتبعت الإنقاذ ذات السياسة فيما يلي الدستور وهوية الدولة عندما أعلنت أكثر من مرة أن زمن (الدغمسة) ودعاوي العلمانية قد انتهى. قدرة الإنقاذ على مواصلة (الكوماج) وسياسة (القطع الناشف) مع الحركة الشعبية الأم وبقايا الحركة في الشمال موضع جدل، بين من يرى أن الضائقة الاقتصادية لن تمكن الحكومة من كسر ذراع قطاع الشمال ورفاقه في جوبا، وفرض تسوية بعينها عليهم ، في المقابل ، يؤكد آخرون أن اقتناع الخرطوم مؤخراً بضرورة سد فجوات موازنتها بعيداً عن نفط الجنوب ، واقتناعها بخطورة توقيع اتفاق جديد مع قطاع الشمال يكرر ذات تجربة نيفاشا فيما تبقى من السودان ، يصبان في خانة استمرار سياسة (القطع الناشف) مع الحركة الشعبية. سياسة (الكوماج) الإنقاذي مع الحركة الشعبية لا ترجح استمرارها قناعات السلطة فحسب، لكن الحكومة تعرضت إلى انتقادات حادة من دوائر محسوبة عليها بسبب سياسة (اللولاي) القديمة مع الحركة الشعبية ، خاصة أن تلك السياسة الناعمة هي التي قادت بحسب رأي كثيرين الحلو للتمرد في جنوب كردفان ، وقادت زعماء مليشيات الجيش الشعبي لمناجاة أنفسهم بإمكانية ضم منطقة هجليج للجنوب ، والمزايدة على الانسحاب منها ، قبل أن يستيقظوا من تلك الحسابات غير الدقيقة بعد إطلاق القيادة السياسية يد الجيش في تنفيذ عمليات (كوماج) حقيقي. قرار مجلس الأمن رقم 2046 ربما يفرض على الأطراف الثلاثة ، الخرطوموجوبا وقطاع الشمال ، الابتعاد عن (الكوماج) ، يقول البعض ، لكنه لا يفرض الابتعاد عن سياسة (القطع الناشف)، ما يعني عملياً أن بمقدور الخرطوم ممارسة تلك السياسة على طاولات التفاوض والتسوية. مثلما أثبتت سياسة (اللولاي) عدم فعاليتها على طول الخط مع الحركة الشعبية ، يرى البعض أن سياسة (الكوماج) (والقطع الناشف) لن تكون فعالة إذا تم استخدامها على طول الخط ، فمثلما يحتاج الكبار إلى مزيج من الدلال والحزم في التعامل مع الأطفال، يحتاج قادة الإنقاذ إلى ممارسة مزيج من (اللولاي) و(الكوماج) و(القطع الناشف) في بلد تحيط به الأطماع والمخاطر والأزمات ..!