قادة الصحافة اتخذوا من مؤتمر وزير الثقافة والإعلام أمس الأول حائط مبكي يذرفون فيه الدمع الثخين، يلعقون جراحهم ويلتمسون الخلاص من واقع يقودهم تلو الآخر الى مقصلة الاعدام، كلهم كان يرثي حظ مهنة دخلت مرحلة الاحتضار حسب وصف استاذنا الكريم البروفيسور علي شمو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات.اشفقت جدا على الدكتور أحمد بلال وزير الثقافة والإعلام ، والصحافيون يحولون مؤتمره الصحفي الى سرادق عزاء ، يمارسون فيه البكاء سرا وعلانية، ويصمتون هذه المرة عن الاستنجاد ب(أبو مروة) بعد ان (يئسوا من خيرن في الوعود)، تخيلت حجم التحدي الذى يواجه الوزير في ظل تعقيدات اقتصادية ومهنية عديدة تهدد مهنة الصحافة ومنتسبيها بالفناء.أسوأ احساس يمكن ان يواجه الصحفي هو حالة (اليتم) التي تعايشها مهنة يأكل منها عيشا مغموسا في عرق المتاعب ، وأقسى من ذلك الاحساس القاتل بانتمائك الى (كار) ليس له وجيع، والانكى من كل ما تقدم هو حالة الضعف والوهن التي تظهر بها أمام الناس وانت سلطة رابعة منوط بها أخذ حقوق الغير والتعبير عن احلامهم المشروعة في التنمية والخدمات والحرية والعدالة والعيش الكريم.نعم الصديق ضياء الدين بلال انه (عويل بلا بديل)، ومن المؤسف حقا ان حالة الاضعاف التي تواجهها الصحافة صرفتها عن تلمس قضايا المواطنين، ولا أدري هل بات أصحاب هذه المهنة مؤهلين اخلاقياً للتعبيرعن واقع الناس، أم ان تصاريف القادم المخيف ستسلبهم ما تبقى من رصيد القدرة على تقدم الصفوف مدافعين ومنافحين عن حقوق الآخرين؟نعم أستاذنا شمو فالصحافة تموت الآن ، ولكن الأقسى من هذا المصير الذي قادته اليها الاقدار هو حالة اللا مبالاة التي تتعامل بها الدولة مع أزمات الصحافة المتلاحقة ، فعلى الرغم من المضاعفات التي وضعت معشوقتنا على حافة الموت إلا ان الاحساس بما تواجهه من آلام ومصاعب لا يصيب أحداً بالحزن ولا يجعل القائمين على أمر بلادنا يذرفون دمعة على جثمانها الطاهر وهو مسجى في انتظار اكتمال مراسم الدفن.المأساة الآن ليست في الظروف الاقتصادية التي تهدد بفناء الصحافة في ظل زيادة أسعار الورق بفعل ارتفاع الدولار الى ثلاثة اضعاف ، ولا أظن أنها في الضرائب والرسوم والاتاوات الباهظة المفروضة على هذه الصناعة ، ولا اعتقد ان تعقيدات الممارسة الصحفية من اجراءات ونيابات ولائية هي القشة التي ستقصم ظهر البعير، المشكلة في تقديري تتلخص في حالة العجز الكلية للدولة وأجهزتها في التعامل مع هذه المهددات الخطيرة،وعدم احساسها بما تواجهه المهنة من مخاطر تنذر بجعل السودان دولة بلا صحافة.عزيزي د. أحمد بلال ، شكرا على الاستماع لشكوانا، فغيرك يستمتعون بآلامنا ودموعنا،ونعلم تماما ان الخطب كبير والمصاب جلل ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ففي عهد قريب ماتت خمس صحف، وقبل أيام ترجل الزميل عادل الباز من صهوة جواد (الأحداث) بعد ان خذلته النوايا والاحلام وابلغه السوق رسميا عبر شيكات الدائنين ان عليك الكف عن الاستمرار في مغامرات (ارسين لوبين)، واظن انه من العبث ان ينتج الناشرون صحيفة (خاسرة) في الحالتين وزعتها ام لم تفعل.عرضحالاتنا الحزينة بين يديك عزيزي الوزير، لكن الخطر أكبر في تقديري من النوايا والتطبيب والمواساة، وانصحك كذلك بالانسحاب مبكرا من على الكرسي الذي تجلس عليه حتى لا تحشر يوم القيامة وانت الوزير الذي توقفت في عهده الصحف،مرحبا بك في (مقابر الصحافة) فالجميع ينتظرون مراسم الدفن.