بطريقته التي عرفتها منذ أيامنا في العزيزة (الرأي العام) اختزل الصديق محمد عبد القادر الوضع في كلمات معدودات : (الصحافة أصبحت تتحدث عن همومها أكثر من قضايا المواطنين)!! وإذا كانت من أوائل المحاذير التي توضع أمام دارس الإعلام (أسوأ شيء أن يتحول الصحفي إلى خبر) ولكن هي المأساة ذاتها أن تنكفئ الصحافة على نفسها تلعق جراحها وتذرف دموعها ويتقاصر دورها في التفاعل مع قضايا المواطنين. بالأمس قالها البروف علي شمو في اجتماع رؤساء التحرير مع وزير الثقافة والإعلام الجديد دكتور أحمد بلال (الصحافة تحتضر) ولم يكمل البروف بأن العزاء سينتهي بانتهاء مراسم الدفن..! قبل يومين في فضائيتي الشروق والنيل الأزرق، كانت الحوارات تدار حول أوضاع الصحافة في ظل ارتفاع تكلفة إنتاجها، بعد انطلاق جنون الدولار وتدهور قيمة الجنيه وظهور معادلة غريبة تنتمي إلى قوائم (شرور البلية) كل ما زاد توزيع الصحف تضاعفت الخسائر، فكل نسخة تخسر بعد بيعها 83 قرشاً كما ورد في دراسة للناشرين!! قبل يومين استقبلت في مكتبي بالصحيفة وفداً من اتحاد الصحفيين مكون من زملاء أفاضل كنت أتوقع أن يكون موضوع الزيارة ذا صلة بالمستجدات الأخيرة التي أدت لإغلاق عدد من الصحف وشروع أخر في إعادة هيكلة أوضاعها، ولكن المفاجأة الصادمة كانت عندما علمت منهم أن هدف الزيارة هو اطلاعنا على مهام لجنة جديدة كونها الاتحاد تحت عنوان (مساءلة ومحاسبة الصحفيين)!! وعندما انتقدت اسم اللجنة وتوقيت الإعلان عنها، كان الرد أن مثل هذه اللجان موجودة في كل العالم وأن في مصر يطلق عليها لجنة (تأديب الصحفيين)! نعم (تأديب) . ضحكت وقلت لهم هل الصحفيين في حاجة لجهة جديدة لتقوم بمساءلتهم ومحاسبتهم وربما تأديبهم؟!! في اجتماع وزير الإعلام ذكر الزميل جمال علي حسن رئيس تحرير صحيفة "الحرة" أنه وفي موضوع واحد نشر بالصحيفة تعرض للتحقيق من قبل أربع جهات إدارية وعدلية!! الآن تضاف جهة خامسة. وقبل أيام توقفت 3 صحف رياضية بعد صدور قرار من المحكمة العليا يقضي بتنفيذ قرار مجلس الصحافة بإيقاف هذه الصحف،يحدث ذلك في توقيت تصعد فيه ثلاثة أندية سودانية إلى دور الثمانية في بطولة الكونفيدرالية..!! والرجل النبيل عادل الباز الذي أصابه سهر الصحف بآلام الظهر والبطن و (حاجات تانية حامياني) يغلق أبواب صحيفته "الأحداث" بطوق أسود اللون ويعرض حتى طاولات المحررين للبيع، ورئيس اتحاد الصحفيين الدكتور محيي الدين تيتاوي يعلق على الهواء مباشرة في قناة الشروق (دكان وخسر يعمل شنو)! قبل أسابيع جاءني أحد المحررين بخبر للشبكة مفاده أن الصحيفة التي لم تكمل الثلاثة شهور قررت الاستغناء عن 8 صحفيين وتقليص المرتبات بنسبة 17% قلت لن ننشر هذا الخبر ولن نستثمر في جراح الآخرين ولن نشمت في إخوة يعانون ما نعاني!! الصحف تمثل جزءاً مهماً في الجهاز المناعي للدولة فإذا ضعف هذا الجزء أصبح الجسد نهباً لهجوم الفيروسات والبكتيريا..!! ضحك صديقنا عبد المطلب صديق وعلق بسخريته الحارقة : (عندما تكون هناك زراعة لعضو جديد في الجسد تستخدم أدوية مثبطة للمناعة لمنع رفض الجسم للعضو الجديد)!! وانا ما بفسر وإنت ما تقصر ..!!