لم تشفع نداءات البحارة السودانيين الداعية لمعالجة مشكلات الخطوط البحرية السودانية، لوقف قرار بيع الباخرتين (النيل الأبيض ودارفور) ، آخر باخرتين بحريتين في الأسطول، الذي كان يعد ثاني أسطول نقل بحري في أفريقيا بعد أسطول جنوب أفريقيا. ورغم امتلاك السودان لساحل بحري يعتبر من أطول السواحل في المنطقة، إلا أن سياسة التعامل مع الخطوط البحرية تظل محل تساؤلات كثيرة (الرأي العام) جلست مع النوراني يوسف دفع الله المدير العام لشركة الخطوط البحرية وطرحت عليه العديد من الأسئلة التي أجاب عليها من خلال الحوار التالي . *بداية دعنا نسألك عن المالك لشركة الخطوط البحرية ؟ حسب الوضع القانوني لقيام خطوط بحرية في السودان فان نسبة (99%) من أسهم الخطوط البحرية تملكها وزارة المالية ونسبة (1%) مملوكة لبنك السودان المركزي *كم حجم أسطول البواخر الذي تمتلكه الخطوط البحرية السودانية في الوقت الراهن ؟ يساوي (صفر) ، حاليا لا نملك ولا باخرة ولا توجد باخرة للخطوط البحرية السودانية تعمل في مجال النقل البحري ، فقد تم التخلص من كل أسطول بواخر الناقل الوطني منذ سنوات عديدة ، بغرض الإحلال وأسباب أخرى . *لماذا تم التخلص من أسطول كان يضم أكثر من (15) باخرة في فترة سابقة ؟ أولا دعيني أوضح أن الخطوط البحرية منذ إنشائها لم يكن لديها أسطول يحتوي على (15) باخرة تجوب البحار في وقت واحد ، وأضيف إن ذلك العدد الذي يردده البعض مجرد إشاعة وهوغير موجود ، فهناك سوء فهم وراءه عدد من البحارة وهم يدركون تماما ان الخطوط البحرية بعمرها لم تمتلك حجم (15) باخرة. *طيب ما هي حقيقة وجود أسطول البواخر وكيف تم التخلص منه ؟ ولماذا ؟ الشركة منذ إنشائها عملت بعدد ست بواخر وهي (أركويت ، سنار ، كردفان ، الجزيرة ، شندي ومريدي)، وتراوحت فترة عمل تلك البواخر من (5- 18) عاما، وخضعت لعمليات إحلال لعدم قدرة بعضها على الإبحار ، أما الباخرة أركويت فقد تعرضت للغرق ونسبة لذلك كان لابد من تطوير الأسطول بالتالي قامت الشركة باستبدالها ببواخر أخرى وذلك في سبعينيات القرن الماضي وهي باخرة ( امدرمان ، نيالا ، مروي ، الخرطوم ، ستيت ) وهذه توقفت عن العمل في العام 1997م ، بسبب العجز عن سداد مديونيات تشغيلها ، غير ان الباخرة (مروي ) توقفت بسبب حادث تصادم، على إثر ذلك عملنا على بناء بواخر جديدة وهي(الابيض ، دنقلا ، القضارف ، الضعين ، النيل الأزرق، النيل الأبيض ، الجودي ودارفور ) ، وأيضا توقفت بسبب الديون وبعضها تهالك وكان لابد من بيعها لقرض السداد فكل البواخر التي كانت تمتلكها الخطوط البحرية تم بناؤها عن طريق القسط . *حسب معلوماتي ان الباخرتين (دارفور والنيل الابيض ) رابضتان بميناء بورتسودان وعصيتان على البيع لماذا؟ نعم هذا صحيح ، فالباخرتان متوقفتان عن العمل أربع سنوات للنيل الأبيض وسنتان لدارفور ، والسبب انهما استنفدتا اغراضهما وانتهت مدة صلاحية عملهما ، الى جانب بعض المشاكل الهيكلية التي تحيط بكل واحدة ، والآن الباخرتان معروضتان للبيع استنادا لتقرير اللجان الفنية التي أوصت بالتخلص من الباخرتين بأقصى سرعة . *ماهي اسباب عرض الباخرتين للبيع ؟ كما ذكرت سابقا تحيط بالباخرتين مشاكل عديدة أسهمت في توقفهما عن العمل أدى ذلك للتفكير الجاد في التخلص منهما ، فالباخرة ( النيل الابيض ) تعرضت في نهاية التسعينيات لكسر أهم أعمدتها ، وحاليا وضعها متدهور جدا بالنظر الى ان عمرها بلغ (30) عاما ، واصبحت غير قادرة على الإبحار او حمل أية حمولة ولو طنا واحدا ، أما الباخرة دارفور فقد انتهت فترة صلاحيتها وتهالكت منذ زمن . *هل الشركة عاجزة عن صيانة الباخرتين ؟ نعم عاجزة ، لان صيانة الباخرتين من المستحيلات هذا الى جانب ان تكاليف الصيانة مرتفعة تفوق ال(5) ملايين دولار ولا يوجد ضمان لاستمرارية عمل الباخرتين ، وأؤكد انه لو كان من الممكن صيانتهما لن تعملا سوى أيام قليلة في البحر . *هل كانت بواخر الشركة (درافور ، النيل الابيض ) رابحة ؟ بالتاكيد .. وذلك بحكم عملها في مجال نقل الركاب والبضائع وعملهما في كل الخطوط ، كما كانت تستغل في نقل بضائع العديد من الدول . *كيف تم عرض الباخرتين للبيع ؟ أولا دعيني أوضح ان الباخرتين تم بناؤهما في العام (1979)م ، وتوقفتا عن العمل في العام (2010)م ، للأسباب التي ذكرتها سابقا ، أما العرض للبيع بدأ في اغسطس من نفس العام عندما أصدر مجلس إدارة الشركة قرار البيع ، عليه تم نقل القرار لوزير النقل الذي خاطب وزير المالية ومحافظ بنك السودان بصفتهما حملة أسهم الشركة ولقد جاء قرار البيع بالإجماع ، بعدها كوّن مجلس ادارة الشركة لجنة من أعضائه ضمت ممثلا من وزارة المالية والادارة العامة للشراء والتعاقد والتخلص من الفائض للاشراف على إنفاذ عرض البواخر ولقد تم الإعلان عن البيع في الصحف المحلية وفقا للأسس واللوائح التي تحكم عمليات التخلص ولقد تقدمت مجموعة من الشركات للشراء . *هناك معلومات تؤكد تراجع الشركة عن بيع الباخرتين بعد وصول الأمر مرحلة فرز العطاءات في عام 2011م ثم عادت الشركة لتعلن عن بيعها للباخرتين في أبريل من العام الحالي ؟ صحيح .. وذلك للحصول على سعر أعلى ، لأن مظاريف العطاء الأول فشلت في الإتيان بما يطلبه السودان من سعر ، وتأجيل البيع جاء بناء لتوصية من وزير النقل بإعادة الإعلان للحصول على سعر مناسب وبالفعل لقد تم تقديم أسعار أفضل عن المرة الأولى بزيادة (400) ألف دولار وعندما تم عرض النتائج على وزير النقل أوصى مرة أخرى بإعادة العرض واستعمال طرق غير تقليدية بغية تعظيم العائد وذلك أسهم في ارتفاع قيمة العطاءات تباعا ، ولوجود المزيد من الضمانات للبيع طلب وزير الدولة بوزارة النقل تكوين لجنة فنية تضم خبراء من خارج الشركة لتقديم تقرير فني عن البواخر ولجنة تجارية لدراسة امكانية تشغيل الباخرتين وتم ذلك ، فالهدف من التأجيل القصد منه الوصول الى سعر مناسب *أين وصلت عمليات بيع الباخرتين ؟ في مراحلها النهائية ، فالآن لقد انتهت اللجان من مرحلة فرز العطاءات استعدادا لتنفيذ عملية التسليم والتسلم *كم يشكل عائد بيع الباخرتين ؟ وما هي أوجه صرف عائدهما ؟ وصل سعر بيع الباخرتين الى أربعة ملايين دولار وسوف يستخدم العائد في شراء بواخر بديلة تزامنا مع تنفيذ عملية البيع ، وهذا الأمر يعتبر الشرط الأساسي الذي من أجله تمت عملية عرض الباخرتين على ان يتم البيع والشراء في وقت واحد . *هل ذلك يعني ان هناك أملا في عودة بواخر للخطوط البحرية ؟ طبعا .. فحسب الخطة سوف نقوم بشراء باخرتين ركاب لمعاودة إبحار البواخر فالآن لقد تفهمت وزارة المالية آهمية الناقل الوطني وأبدت استعدادها لمعاودة توفير الضمانات لتطوير الأسطول القادم مثلما حدث إبان قيام الشركة ، فعائد بيع الباخرتين لن يكفي لشراء بواخر جديدة دون مساعدة من وزارة المالية تمثلت في حث بعض الممولين لمنح الشركة قروضا لانفاذ برامج شراء البواخر الست والآن قمنا بتسليم وزارة المالية العروض كافة مصحوبة بعرض تمويل لمدة (15) سنة يحتوي على فترة سماح ثلاث سنوات بتكلفة تمويل متدنية جدا تبلغ 3% . *كم يبلغ الحجم الكلي لشراء بواخر جديدة ومن أين سيتم شراء الأسطول ؟ تبلغ تكلفة البواخر الست المستهدفة 160 مليون دولار ولكن في المرحلة الأولى سوف نقوم بشراء باخرتي حاويات وباخرة للركاب ونستهدف عدة جهات لشراء البواخر ولدينا مواصفات معينة حال توافرها سنقوم بالشراء والدول المستهدفة هي (كوريا - إيطاليا - دول البحر الأبيض المتوسط ) *طيب ما حجم الخسائر التي تكبدتها الخطوط البحرية جراء توقف الباخرتين ؟ بالتأكيد.. فان إيقاف البواخر عرّض الخطوط البحرية لخسائر كبيرة تمثلت في تقليل حجم البضائع والركاب بميناء بورتسودان الى جانب المبالغ المالية التي تم صرفها في مجال الصيانة الأولية للباخرتين فمثلا الباخرة (النيل الابيض ) استهلكت أموالا ضخمة بغرض الصيانات التي لم تجد نفعا، اما الباخرة (دارفور) بعد دخولها القاعدة البحرية قمنا باجراء الترتيبات مع قاعدة فلمنكو حول الخسائر. *لماذا لم يتم تأمين الباخرتين لتفادي الخسائر؟ لم يتم تأمين البواخر منذ العام 1998م وفي ذلك الوقت كانت شركات التأمين تواجه مديونيات عالية ، وحتى بناء البواخر في ذلك الزمن لم يشجع شركات التأمين لتأمينها كما ان الخطوط البحرية كانت مطالبة بديون فاقت ال(20) مليون دولار . *هل سبقت عملية إحلال كل بواخر الخطوط البحرية خطة إحلال واضحة ومجازة من جهات الاختصاص ( المالية ، النقل ، مجلس ادارة الشركة )؟ أكيد فعمليات الإحلال تمت استنادا على خطة قومية شاملة للنقل والبرنامج الثلاثي للدولة وأريد ان أقول كل الذين يطلقون الاتهامات ويقولون ان عمليات البيع لم تتم وفقا لخطة إحلال يسعون وراء بقاء البواخر متهالكة والقضاء على الناقل الوطني البحري . *ولكن الواضح ان الناقل الوطني البحري قد انتهى وتم القضاء عليه بفعل فاعل ، والدليل على ذلك الأزمة الخانقة التي تواجه القطاع، نعود بك لسؤال طرح سابقا حول أسباب تدهور أسطول الخطوط البحرية الذي كنا قد تساءلنا حوله سابقا؟ طبعا .. منذ دخول البواخر في الفترة من (1969وحتى 1980)م ، صاحب ذلك الحصار الاقتصادي على السودان واحجام مؤسسات التمويل الدولية عن الاستمرار في تمويل مشاريع التنمية التي كانت الشركة تقوم بنقل معداتها وأدى ذلك الى نقص الواردات السودانية فانخفض النولون واثر ذلك على خفض الايرادات ، كما شهدت نفس الفترة موجة الجفاف والتصحر في حزام افريقيا مما أسهم في تدني انتاج المحصولات الزراعية وبالتالي الى شح الصادرات من المنسوجات واصبحت البواخر تبحر شمالا اما فارغة او بحمولات قليلة ، وذلك تزامن مع كساد التجارة الدولية والتبادل التجاري الذي أدى الى حدة التنافس بين شركات النقل على البضائع المعروضة للنقل مما أدى الى تدني النوالين والإيرادات على التداول كذلك ظهرت شركات نقل بحري جديدة في المحيط الإقليمي نافست الشركة في منقولات منطقة البحر الأحمر ، وايضا من أسباب التدهور ارتفاع تكلفة تشغيل البواخر وتكلفة التأمين البحري ، هذا بجانب التغيير المستمر في السياسات الاقتصادية التي لا تمنح الناقل الوطني أية مزايا تفضيلية بجانب النزاع بين الادارات والهيئات النقابية والتغيير المستمر للادارات التنفيذية في الشركة مما أحدث كثيرا من الربكة في عمل الخطوط البحرية المتخصص أضف الى ذلك ان شراء عدد كبير من البواخر في وقت واحد والعجز عن سداد أقساط البواخر أدى الى اختلال في السيولة التشغيلية حتى وصل الأمر الى توقف سداد الأقساط وأدى ذلك الى مشاكل لاحقة في الصيانات الدورية والإسبيرات والتشغيل التجاري .