لم تشفع نداءات البحارة السودانيين الداعية لمعالجة مشكلات الخطوط البحرية السودانية، لوقف قرار بيع الباخرتين (النيل الأبيض ودارفور) ، آخر باخرتين بحريتين في الأسطول، الذي كان يعد ثاني أسطول نقل بحري في أفريقيا بعد أسطول جنوب أفريقيا. ورغم إمتلاك السودان لساحل بحري يعتبر من اطول السواحل في المنطقة، إلا أن سياسة التعامل مع الخطوط البحرية والبحر عموماً تظل محل تساؤلات كثيرة. (الرأي العام) جلست مع (النوراني يوسف دفع الله) المدير العام لشركة الخطوط البحرية، وطرحت عليه العديد من الأسئلة التي اجاب عنها خلال الحوار التالي: *أستاذ النوراني .. في الحلقة السابقة من حديثنا معك توقفنا عند أسباب انهيار أسطول الناقل الوطني البحري ، هناك إتهام بأن شركة الخطوط البحرية تعاني من حالات فساد مالي وإداري، مما تسبب في انهيار أسطول البواخر؟ أولاً تهمة الفساد مسألة خطيرة جدا، ولا أفهم ما المقصود بالفساد الإداري. ثانياً نحن لسنا فوق القانون، وما يتداول من حديث عن فساد يعبر عن حالة نفسية حادة للذين يطلقون تلك التهمة. *إذن أين كنتم كإدارة للشركة، وأسطولها يلفظ أنفاسه الأخيرة ؟ في البداية دعيني أشير إلى أن الإدارات السابقة حاولت إنقاذ الأسطول لكنها فشلت، ونحن الآن موجودون ونحاول بناء جزء من الأسطول المفقود عبر شراكات إستراتيجية . *الواضح أن الشركة كانت وما زالت تمر بأزمة، والدولة لا تعيرها أي إهتمام ورعاية لتخرج من أزماتها الخانقة ؟ هذا صحيح .. فدور الدولة في البداية كان جيداً ، ولكن بعد العام 1991م عندما اعلن السودان سياسات التحرير الإقتصادي أول ما تم تنفيذه تخلصت وزارة المالية من شركة الخطوط البحرية وعرضتها للبيع ، عبر برنامج التخلص من الوحدات الحكومية. وبعد ظهور البترول في العام (2000م) حدث تغيير حيث راجعت الوزارة سياساتها واوصت بأن الخطوط البحرية شركة مهمة يجب أن تستمر على أن يتم تطويرها عن طريق الشراكات الاستراتيجية ، أي رفعت الدولة يدها تاركة عملية إنقاذ أسطول البواخر لإدارة الشركة في وقت كان وضع الشركة سيء جداً، وكان من المستحيل إنقاذ الاسطول في ظل إنسحاب المالية واخلائها لمسؤوليتها ولم تسهم حتى في سداد المديونيات التي أغرقت الشركة وأسطولها . *كم بلغ حجم المديونيات وهل تمكنتم من سدادها ؟ - فاقت ال(20) مليون دولار، وبحمد الله قمنا بمعالجتها وسدادها على داير المليم. والآن ليست علينا أية مديونية لأية جهة . *وماذا عن تعويضات البحارة في حرب الخليج التي لم تسدد حتى اليوم ، وما زالت المطالبات بها قائمة؟ دعيني أوضح لبساً، بعد حرب الخليج تم توجيه الشركة لترحيل السودانيين الذين وصلوا ميناء العقبة. والشركة قامت بعدة رحلات لإجلاء السودانيين. فالبواخر عند دخولها وخروجها لميناء العقبة كانت تخضع لتفتيش مهين من القوات البحرية الأمريكية. وبعد إنتهاء الحرب كونت الأممالمتحدة لجنة تعويضات بمقرها بجنيف، والتى بدورها وجهت بتكوين لجان وطنية في كل الدول لاستلام طلبات التعويض. تقدمت الشركة للجنة السودانية بأربعة مطالب، وهي قيمة معدات وأدوية وتكلفة أطباء لتجهيز غرف وأماكن إعاشة بالباخرة للركاب. والمطالبة كانت في حدود(400) ألف دولار ارفقت معها فواتير، إلى جانب المطالبة بالتأمين الإضافي لدخول البواخر منطقة الحرب في حدود(400 ) ألف دولار، وأرفقت معها إيصالات السداد لشركات التأمين، إضافة إلى تعويضات عن النولون المفقود جراء رحلات الإخلاء وإلغاء بضائع كان متفق على نقلها في حدود (14) مليون دولار، وأخيرًا المطالبة بتعويضات للبحارة جراء الأضرار النفسية الناجمة عن إيقاف البواخر والتفتيش بمبلغ مليون دولار. وأرفقت تقارير من إختصاصيين تعزز ذلك ، ما حدث أن لجنة الأممالمتحدة رفضت المطالبات، وعوضت الشركة فقط عن المطالبة الأولى ، وكل المستندات موجودة بطرف اللجنة السودانية لتعويضات حرب الخليج لمن يريد أن يتأكد فليذهب إلى هناك ، وأؤكد بأننا لم ( نأكل ) تعويضات البحارة. *يبدو أن الخطوط البحرية سوف تمر بمرحلة جديدة من عمرها حيال شراء بواخر جديدة ، حدثنا عن الدعم الحكومي الحالي لمواصلة المشوار ؟ حاليا وضمن سياسات الاصلاح الاقتصادي والتركيز على تعظيم الصادرات غير البترولية وتطوير وتكامل وسائط النقل اولت وزارة المالية اهتماما بالنقل البحري ووافقت من حيث المبدأ على توفير الضمانات اللازمة لاعادة بناء الاسطول. كما درست الوزارة العروض التي قدمتها الشركة لبناء سفن بتمويل لمدة (15) عاما مضمنة بدراسات الجدوى الاقتصادية. وهناك عمل جاد لتوفير الضمانات اللازمة لقيام الاسطول ، كما تقوم الوزارة بالتعاون مع ممولين لتقديم قروض لانفاذ برنامج قصير المدى باضافة بواخر مستعملة لا يتعدى عمرها (5- 10) سنوات. *ما الذي يضمن إستمرار عمل البواخر وتجنبها الإنهيار والمديونيات؟ اعتقد أن وزارة المالية الآن تفهمت ان البواخر كأسطول هي ضامن لنفسها، وان الضمانات المطلوبة منها هي ضمانات تعزيزية وقليلة المخاطر، كما ان التفكير الجاد في ان تتزامن عمليتا البيع والشراء في وقت واحد أكبر محفز على اتمام العملية، وحسب سعينا اتمنى أن نصل للفهم الصحيح ، فتنفيذ العمليات سيكون سهلا جدا في ظل وضوح الرؤية . *طيب في الوقت الذي توقفت فيه بواخر الشركة (دارفور ? النيل الأبيض ) كيف تم سد الفراغ الذي أحدثه توقف البواخرعن العمل ؟ اولاً: عملنا على توفيق الأوضاع عبر شراكات استراتيجية مع الشركة الماليزية للنقل البحري للعمل في مجالي ( البترول والحاويات ) ، و البترول كان الهدف الاستراتيجي للشركة الماليزية، اما مجال الحاويات كان عبارة عن ( فاتحة شهية ) تتأكد من خلاله الشركة الماليزية بأنها ستجد جهات تتعاون معهم. *هل أوضاع الشركة حاليا موفقة مما يمكنها للتصدي لأية أزمات ؟ موفقة جدا. فالآن بعد التركيز على النهضة الزراعية وزيادة الصادرات غير البترولية من المفترض ان تتجه الدولة بأنظارها لوسيلة النقل البحري لصادراتها خاصة ان نسبة(85%) من التجارة الخارجية يتم عن طريق البحر، وحاليا كما قلت، وزارة المالية اصبحت أكثر تفهما لاحتياجات الخطوط البحرية، المطلوب منها فقط منحنا الضمانات بعد أن رفعت يدها تماما، وتركت الخطوط تغرق، اسمحي لي أن اقول بالرغم من المشاكل والضغوط التي تواجهها الشركة، يعتقد البعض بأننا نتقاضى رواتب من وزارة المالية وأرى في ذلك إتهاماً غير صحيح. *طيب هل للشركة موارد غير الأسطول الذي تم التخلص منه ؟ نعم لدينا شركات فرعية تعمل في مجال تعبئة وتفريغ وشحن مثل السكر الخام والوارد والصادر، وتخليص البضائع، هذا إلى جانب عملنا في منح التوكيلات لبواخر بعض الشركات، تلك الشركات ( شايله ) الخطوط البحرية، وبصراحة أننا نعمل في جزء ضئيل جداً من سياسات النقل، بمعنى أننا لم نقم بفتح مطابخ أو مطاعم استثمارية لمصالحنا كما يتهمنا البعض. *نعود بك إلى البواخر المقرر شراؤها ونسألك عن الخطوط التي ستعمل فيها ؟ سنبدأ العمل بباخرتي ركاب كمرحلة أولى ستعمل في خط (سواكن ? جدة)، وذات البواخر ستحمل بضائع غذائية مبردة كصادر وذلك وفقا للتصميم الهيكلي الذي قمنا بطلبه من الدول المصنعة. أما بواخر الحاويات الخط المستهدف أن تربط موانيء البحر الأحمر مع الخليج العربي وغرب الهند. *هذا يقودنا إلى سؤال يتعلق بالخطوط التي كان يعمل فيها أسطول البواخر الغائب، من الذي يشغله الآن ؟ الآن تعمل فيه بواخر تمتلكها شركات أجنبية لا علاقة لنا بها سوى منحها التوكيلات. *اذن تلك البواخر هي التي تقوم بنقل صادر المواشي، أليست لديكم رقابة عليها؟ نحن نمنحها التصاديق فقط، ودعيني أكشف عن حقيقة غائبة وهي أن صادر المواشي للسعودية الذي بلغ ثلاثة ملايين رأس العام الماضي، تم نقله على بواخر قديمة ومتهالكة ولا تنتمي للسودان بصلة وتعمل بواسطة شركات أجنبية وهذه الشركات تقوم باستغلال المصدرين عن طريق رفع قيمة النولون في أوقات الذروة موسمي ( العمرة ? الهدي ). *هل لديكم علاقة بموسمي الحج والعمرة ؟ طبعا. فالشركة تمنح التوكيلات للبواخر العاملة في نقل الركاب في خط (سواكن - جدة ). كما نقف على سير عمل تلك البواخر حتى انتهاء المواسم. *وماذا عن موسم الهدي ؟ من خلال شراكتنا مع بنك الصادرات ومجموعة (تويلز قروب) وشركة (شيكان) قمنا بتأسيس شركة لنقل الماشية عملها متوافق مع أهداف الاقتصاد وخطها الاساسي (سواكن - جدة). * أستاذ النوراني .. هل نواجه مشكلة في صناعة البواخر؟ نحن في السودان نجد صعوبة بالغة في الصناعات التحويلية، ولا نجيد العمل في الصناعات الصغيرة ، كما نواجه مشاكل في الصناعات الخفيفة ، فكيف نصنع بواخر،فصناعة البواخر عمل كبير جدا علينا ومن الصعب توطينه ، لكن أقول هي كصناعة تحتاج إلى ترسانات وإلى خبرة ومقدرات عالية. *الاستثمار في النقل البحري ، ماذا يحتاج ؟ الى رأس مال كبير وبنى مصرفية. والسودان ليست لديه مقدرة كافية للإستثمار في مجال النقل البحري لأنه يحتاج إلى قروض ولا توجد جهة تتصدى لذلك .