عندما انتهت حملة الجمعية السودانية لحماية المستهلك المسماة ب (الغالي متروك) في نسختها الأولى المحتوية على صنف وحيد ضمن موائدها وهو اللحوم، انتهت بتباين كبير حول ما أفضت إليه نتائجها النهائية يومها، فالجمعية أصرت -ولها الحق في ذلك- بنجاح الحملة على الأقل في أسبوعها البادئ في ال (18/9/2011م). بيد أن عددا لا يستهان بهم قللوا من خطوة الجمعية وأعتبروها (آذاناً في مالطا) إذ ما لبثت أسعار اللحوم التي (فُرملت) بفعل المقاطعة عند محطة ال (25) جنيها أياما أن عاودت الهرولة صوب أعالي رسم الأسعار البياني حتى وصلت عتبة ال (50) جنيهاً مع حلول رمضان الحالي، لتعود الجمعية مرة أخرى لذات سلاحها (المقاطعة)، السلاح المختلف على فعاليته وفتكه، ولكن رغم ذلك فتحت الجمعية رشاشه وصوبته ناحية عدد من السلع هذه المرة عوضاً عن السلعة الوحيدة. الجمعية أبتدرت رمضان بمناداة الأهالي عبر وسائل الإعلام بتصفيد شيطان أسعار (اللحوم الحمراء و الفراخ و البيض، والطماطم) وصلبه على قوائم المقاطعة، وترك المغالين والمزايدين من التجار ليحصدوا البوار، سيما وان الجمعية تؤكد بدراسات بحثية ميدانية أن الأسعار المجزية للسلع أعلاه هي: (30) لكيلو الضأن، (20) للعجالي، (16) للفراخ، (15) لطبق البيض. أما أسعار السوق لذات السلع فتقول ما لا يطاق: (50) لكيلو الضأن، (40) للعجالي، (23) للفراخ، (18) لطبق البيض. وفي السياق نلقي بأن نجاح الجمعية منبني كلية على عملائها، وبمعنى أدق المستهلكين الذين وصفهم بيانها ب (سادة الموقف) ومدى حرصهم على التمسك بحقوقهم وعدم التنازل عنها. ولكن ما هي مواقف السادة؟ وبالإجابة على التساؤل نجد الجمهور إما مقاطعاً (خلقة) لتلك السلع باعتبارها لم تعد في متناول يده، أو مقاطعاً حرصاً على حقه بمناصرة الحملة، أو ميسوراً لا تعنيه المقاطعة ولا يهمه إن باتت الرغيفة بجنيه ساحباً على المجتمع مأثورات ماري انطوانيت غير المستساغة، فيما الفئة الأخيرة تلك التي تدوس على جراحها وملصقات الحملة وتشتري اللحم بذريعة عدم جدوى المقاطعة. حملة المقاطعة التي ابتدرت (الاثنين) الماضي ، وصفها عرابها د. ياسر ميرغني الأمين العام للجمعية في عدة تصريحات صحافية ب (الناجحة) التي أدت طبقاً لأقواله إلى تقليل حجم الذبيح في المسالخ مخافة الخسارة، ما يراه خطوة ستدفع بالتجار لاحقاً إلى النزول عند رغبات الأهالي دون إحداث خسائر عند كلا الطرفين. بيد أن (الجزارين) تحديداً، رأوا في الحملة استهدافاً جلياً لتجارتهم، وأتهم واحد منهم - فضل حجب اسمه - الجمعية بمعاداتهم وطعنهم في أرزاقهم عوضاً عن (الفيل)، وقال إنهم كغيرهم من فئات الشعب يعلكون زيادات السوق المرة ، قبل أن يختم بأن الأسعار الحالية معبر حقيقي عن ارتفاع مدخلات صناعة اللحوم. وعندما عادت الكرة لملعب د. ياسر، عدّ الأسعار المضمنة في بيان الجمعية بأنها تناسب -تماماً- الكلفة الحقيقة وتضع هامش ربح مريح للتجار، ما يشي باستخدامهم لسلاح المقاطعة ولكن وفقاً لفقه الضرورة ضد من يريد افسادا في الأرض وعلواً كبيرا. وبمهاتفة الباحث الاقتصادي محمد سلمان، لمعرفة رأيه في جدوى الحملة، نجده رهن نجاحها بمدى الوعي عند المستهلك، وربط بين أهدافها وتضافر جهود الأهالي، لكنه عاد وقال بلغة ملؤها التشاؤم : استبعد ذلك حالياً لغياب العمل الجمعي، متوقعاً نجاحاً مؤقتاً للحملة سرعان ما يتبدد بتصاعد وتيرة الأسعار ثانية. وطالب سلمان بمعالجات أكثر نجاعة نحو بسط مراكز البيع المخفض، وتوسعة مجالاتها السلعية، ونشر ثقافة العمل التعاوني بدعم مباشر من الدولة . وفي الصدد نادى بالمسارعة في دخول انتاج مسلخ (الصحافة) لجهة كبح جماح اسعار اللحوم. على كلٍ، فإن جمعية حماية المستهلك أطلقت من جديد حملة (الغالي متروك)، مراهنة على وعي المواطن، المواطن الذي إن تغافل عن حقوقه فإنه مضطر لأن يترك كثيرا من السلع وربما يتغنى عما قريب ب (قام اتعزز الليمون عشان بالغنا في ريدو).