العمالة والارتزاق والضلال والخيانة، تهم وصفات أطلقها مؤخراً بعض رجال الدين وخطباء المساجد على قادة الحركة الشعبية في الشمال، على ياسر عرمان ومالك عقار بالتحديد، على خلفية صعود الرجلين إلى واجهة الأحداث السياسية بقوة عقب ظهورهما على مسرح المفاوضات الإثيوبي بين الحكومة السودانية وخصومها، ظهور أتى مدعوماً بقرار مجلس الأمن الدولي 2046 ، ما أثار حفيظة تلك الأصوات التي ترفض دخول عرمان وعقار إلى مسرح المفاوضات، ناهيك عن دخولهما المنتظر إلى قصور الحكم في الخرطوم وكادوقلي والدمازين..! عرمان وعقار ليسا وحدهما من اتهما بممارسة العمالة والارتزاق، فكل خصوم الإنقاذ من المعارضة السلمية أو المعارضة المسلحة وصفوا من هذا الخطيب أو ذاك القيادي في لحظة ما من عمر الإنقاذ بأنهم عملاء وخونة ومأجورين ومرتزقة، وأطلقت كل الأوصاف أعلاه خلال التسعينيات على قادة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض حينها وهم الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ومحمد عثمان الميرغني زعيم الاتحاديين، وجون قرنق زعيم الحركة الشعبية والراحل محمد إبراهيم نقد زعيم الحزب الشيوعي وسياسيين أمثال مبارك الفاضل وفاروق أبو عيسى. بعدما دخل التجمع الوطني الديمقراطي أفراداً وجماعات في مصالحات وصفقات سياسية مع الإنقاذ، تم إلباس قادته لباس الزعماء السياسيين والقادة الوطنيين وأبطال السلام من قبل الدوائر الإنقاذية، فيما انتقلت طاقية (العمالة) لتوضع على رأس قادة حركات دارفور المسلحة أمثال مني أركو مناوي وخليل إبراهيم وعبد الواحد محمد نور، مع ملاحظة أن مناوي خلعت عنه طاقية (العمالة) حينما وفد على القصر الرئاسي مساعداً، ووضعت على رأسه ثانية حينما غادره غاضباً إلى جنوب السودان وميادين القتال. حكام اليوم وغيرهم من أبناء الحركة الإسلامية، أمثال غازي صلاح الدين و عثمان خالد مضوي والترابي والسنوسي ويس عمر الإمام كانوا ضمن قائمة (العملاء) والخونة والمرتزقة التي أصدرتها دوائر نظام مايو ، حينما تنقل زعماء الجبهة الوطنية المعارضة بين مختلف العواصم العربية والأوروبية بحثاً عن الملاذ الآمن والدعم السياسي والمالي والعسكري والاستخباراتي ضد نظام نميري، جبهة ضمت أسماء مثل الصادق المهدي والشريف زين العابدين الهندي وحسن الترابي، ونفذت الجبهة عملية غزو الخرطوم عام 1976م التي أطلقت عليها دوائر مايو اسم (أحداث المرتزقة) تأكيداً من جانبها على (عمالة) القوات المهاجمة ومن خلفها زعماء الجبهة الوطنية. من السياسيين من ألبس طاقية (العمالة) في أكثر من عهد، مثل الصادق المهدي الذي ألبسته مايو طاقية (العمالة) قبل غزو الخرطوم وبعده، فيما ألبسته الإنقاذ ذات الطاقية في الفترة ما بين خروجه من أمدرمان إلى أسمرا في عملية (تهتدون) وبين توقيعه مع البشير نداء الوطن في جيبوتي، بينما ظل الصادق في كل الأحول وطنياً بإمتياز. العميل في البيزنس وعالم المال والشركات هو الزبون، أما العميل في العمل التجسسي فهو مصدر المعلومات من داخل معسكر الخصم أو المصدر غير المحترف، أما العميل في السياسة فهو من يقوم بتنفيذ أجندة خارجية تضر بالمصلحة القومية العليا لوطنه.. .فيما يثور خلاف حول من يستعين بدعم طرف أجنبي لإسقاط نظام الحكم في وطنه مثل استعانة الجبهة الوطنية بليبيا ضد نميري .. واستعانة حركات دارفور بليبيا ضد الإنقاذ..واستعانة التجمع بأمريكا واريتريا ومصر ضد الإنقاذ...هل يصح وصف الاستعانة بالخارج في الصراع الداخلي على السلطة بأنها عمالة ؟..أم هي استعانة تفرضها ضرورات المرحلة؟ نميري نفسه، اتهمه خصومه بالعمالة للشيوعية العالمية والاتحاد السوفيتي أول عهده، قبل أن ينقلب على حلفائه الشيوعيين فيتهمه خصومه الجدد بالعمالة لأمريكا والرأسمالية العالمية، فيما اتهمت الإنقاذ نفسها عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل وقبولها بتقسيم السودان بالعمالة للقوى الغربية عشماً في رفعها من قوائم العقوبات والإرهاب.. وصاغ طلبة الجامعات هتافاً يقول : (حكومة عميلة يجب تبديلا).. ما يعني أن طاقية (العمالة) والارتزاق يمكن أن توضع على كل الرؤوس..!