أحترم كثيراً الإمام الصادق المهدى زعيم حزب الأمة القومى ... وأحترم تفكيره وإجتهاده فى كافة القضايا التى تهم السودان والعالم الإسلامى ... لكننى مندهش لما يدور فى حزب الأمة ، إذ يبدو أن الأمور فيه لا يتحكم أحد فيها ، للدرجة التى تعطي القارىء العادى ... أن هناك جزرا داخل الحزب ولا توجد مركزية تتحكم فى القرار وفى الموقف . قبل فترة ذهب نصر الدين الهادى المهدى وباسم حزب الأمة ووقع إتفاقاً لإنضمام الحزب إلى الجبهة الثورية التى تضم حركات دارفور الرافعة للسلام ... هاج المجتمع السياسى ... وأصدر حزب الأمة بياناً خجولاً تنصل فيه من تصرف السيد نصر الدين . قبله دخل العقيد عبد الرحمن الصادق المهدى القصر الجمهورى من أكبر بواباته ... ووقف أمام رئيس الجمهورية مؤدياً قسم الولاء والطاعة للحكومة ومن موقعه الجديد كمساعد لرئيس الجمهورية . وهو مساعد رئيس حزب الأمة . وأحدث هذا الإنضمام ضجة كبرى ... بين مكذب بأن السيد عبد الرحمن لا يمثل حزب الأمة ... وبين مؤيد بأنه دخل القصر بموافقة والده الإمام والذى لم يكن يريد أن يتم الأمر أمام أجهزة الإعلام ،يريد أن يكون الأمر (تحت تحت) ... كما قال مقربون كثيرون فى حزب الأمة . الأستاذة رباح هى الوحيدة التى إنتقدت دخول عبد الرحمن القصر الجمهورى ... وكتبت عنه مناحة أو مرثية لدخول القصر ... أما الصديق الصادق المهدى فقد ظل ينفي دخول عبد الرحمن القصر الجمهورى بموافقة الحزب . أما الأخت مريم الصادق ... أو مريم المنصورة أو مريم الشجاعة كما يطلقون عليها ... فقد لزمت الصمت ... ولم تتحدث على الإطلاق إلا بعد فترة طويلة متجاوزة الحدث ، وظلت ترسل بيانات ومقالات من النت إلى الصحف ... ثم فجأة سمعنا بتوقيعها إتفاقا مع حركة مناوى والذى لم يعرف رأي الإمام أو حزب الأمة فيه . إذن، حزب الأمة متنازع بين المعارضة والسلطة ... أو فى الحقيقة تحكمه عدة جزر ... ولا أدرى إن كانت مواقف كل جزيرة تتم بموافقة السيد الإمام أم أنها إجتهادات شخصية تصب فى النهاية فى الخط العام للحزب الذى يحكم عليه الإمام سيطرته . وابدأ بدخول الأمير عبد الرحمن الصادق المهدى نائب رئيس حزب الأمة إلى القصر الجمهورى من أوسع أبوابه دون أن يبدي أي إعتراض ، وإنما جاء تكذيب من الأمير الصديق والأميرة رباح التى كتبت عنه مرثية أو (مناحة) معترضة على دخوله قصر (فرعون) كما يطلقون على كل المؤسسات الوطنية وحتى تلك المتعاطفة مع الحكومة ... أما أميرة الأميرات مريم ... فلزمت الصمت المريب ولم تظهر إلا إرسالها لبعض بيانات الجبهة الثورية ... وفى مقالات الدكتور مصطفى إدريس التى نشرت حلقة واحدة منها وأوقفت الجهات الرسمية صدور صحيفة عثمان ميرغني . وفجأة ظهرت مع اركو مناوى ... وهى توقع إتفاقاً باسم حزب الأمة مع حركة مناوى أعمت عينيها تلك التحركات الأخيرة لقوات مناوى معتقدة أنه سيدخل بها الخرطوم والقصر الجمهورى . وقبل ذلك ومن أجل التسلسل المنطقى للأحداث ... ذهب السيد نصر الدين الهادى المهدى إلى حيث توجد قيادة الجبهة الثورية ووقع إتفاقاً معها لتنسيق المواقف باسم حزب الأمة ... فى توقيع نصر الدين قامت قائمة الجزر الأخرى فى حزب الأمة للدرجة التى نادى البعض بفصله من الحزب ... لكن نصر الدين لم تحركه تلك الأحداث وظل صامتاً على موقفه . أما توقيع الأميرة مريم مع حركة مناوى فلم نسمع صوتاً يعترض ... ولم يتحدث الإمام نافياً أو مؤكداً . فى تقدير كثير من المراقبين السياسيين للشأن السودانى أن ما يحدث داخل حزب الأمة من مواقف متناقضة ... هو توزيع أدوار ليكسب المعارضة لو إنتصرت ... وليكسب الحكومة لو ظلت صامدة .... وهو موقف قريب من موقف الحزب الإتحادى الديمقراطى الأصل ... إذ تشارك مجموعة بقيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغنى وبعض القيادات فى الحكومة وبقيت مجموعة أخرى معارضة المشاركة معارضة تامة . هذا فسره البعض بأنه نوع من أنواع توزيع الأدوار لكن الترابط التنظيمى فى الإتحادى الأصل أقوى منه فى حزب الأمة القومي. الإمام الصادق المهدى ... رجل مستنير وصاحب شخصية كاريزمية قوية ... بإمكانه تعطيل كل هذه الجزر وإغراقها نهائياً ، ويصبح حزب الأمة جزيرة واحدة وقوية ومتماسكة ومؤثرة فى المشهد السياسى السودانى . فمتى يقوم الإمام الصادق بدوره القيادى الكامل فى حزب الأمة ويوحد كل الاخوان وتجمع كل الجزر داخل الحزب . والعجيب فى الأمر أن أركو مناوى وبعد توقيع الإتفاق بينه وبين حزب الأمة بقيادة الأميرة مريم الصادق ... هاجم حزب الأمة هجوماً عنيفاً متهماً الحزب بأنه وراء كبح الإحتجاجات الجماهيرية التى كانت ستقود إلى إنتفاضة محمية بالسلاح تستهدف تغيير النظام برمته . طبعاً ... إذا كان هذا رأي مناوى فلماذا وقع الإتفاق مع مريم الصادق نيابة عن حزب الأمة ؟ (سياسة أوانطه ... أدونا حقوقنا) . حزب الأمة من الأحزاب الوطنية الكبيرة... ولعب دوراً أساسياً فى إستقلال السودان وفى كافة الحقب السياسية الماضية ، وتخرج من مدرسة الحزب أكفاء الرجال والشخصيات السياسية التى رفعت رأس السودان عالياً . والمطلوب الآن من حزب الأمة لعب نفس الأدوار السابقة ... وفعلاً ... كما يقول أهل السياسة أنها سياسة توزيع الأدوار ... بالرغم من اننى أستبعد هذا التفسير لأسباب كثيرة ... سأذكرها يوماً .