من الهضبة الأثيوبية فاض النيل الأزرق ... وحطم كل الأرقام السابقة ، وهدم أعدادا هائلة من مساكن الغلابة فى كثير من مدن السودان . ومن الهضبة الأثيوبية جاءنا نعي صديق عزيز ووفي للسودان هو رئيس الوزراء الأثيوبى مليس زيناوى ... ذلك الرجل الخلوق والذى تعلم فى السودان وكان رأيه واضحاً وقويا فى كل المجالات الافريقية التى ناقشت قضايا السودان .وزيناوى عاش فتره فى الديوم الشرقية ... وغادر ثم عاشت أسرته هنا ... وخاصة ابنته الكبرى ... هذا الإنسجام والتناغم بين السودانيين والاثيوبيين خلق وداً عميقاً .عن عمر ناهز السابعة والخمسين رحل مليس زيناوى وهو أحد أبناء بلدة أدوا بأقليم التغراى شمال أثيوبيا ... لأب من البلدة نفسها ... وأم من قرية أدى كوالا فى أريتريا ... إستبدل اسمه من ليفيس الى مليس وذلك تيمناً بناشط أعدمته الحكومة الماركسية عام 1975 عندما كانت ترأس حكومة أثيوبيا .إلتحق بجامعة هيلاسلاسى لمدة عامين حيث كان يدرس الطب ثم قطع دراسته فى العام 1975 ليلتحق بجبهة تحرير شعب التغراى ... وعندما كان عضواً فى جبهة تحرير شعب التغراى أسس رابطة الطلاب الماركسية اللينينية ، حيث كانت جبهة تحرير التغراى إحدى المجموعات المسلحة الى كانت تقاتل نظام المقدم منغستو هايلى مريام .ثم دخلت قوات الجبهة الثورية الديمقراطية العاصمة الاثيوبية أديس أبابا بقيادة مليس زيناوى ليشكلوا حكومة إنتقالية برئاسته واستطاعوا أن يضعوا حداً للحرب الأهلية .وابان توليه رئاسة الحكومة الإنتقالية إنفصلت أريتريا عن أثيوبيا الديمقراطية ، واعتلت الجبهه الثورية الديمقراطية للشعب الأثيوبى سدة الحكم بعد إنتخابات مثيرة للجدل جرت آنذاك ليصبح مليس زيناوى على إثرها أول رئيس وزراء لأثيوبيا .وقد توفي مليس زيناوى فى مستشفى فى بروكسل بعد مرور 21 عاماً على إستلامه السلطة من المجلس العسكرى بقيادة منقستو هايلى مريام لينهي بعد ذلك التكهنات المستمرة منذ أشهر بانه مصاب بمرض خطير . وسيؤدي نائبه هايلى مريام اليمين الدستورية رئيساً للوزراء بالانابة أمام البرلمان وبعدها سيجتمع الحزب الحاكم ليختار خليفة له .وفى مايو 2005 أدلى الأثيوبيون بأصواتهم فيما عرف وقتها بانها (أول إنتخابات ديمقراطية حقيقية) تشهدها البلاد ، حيث حصل تحالف من أجل الوحدة والديمقراطية المعارض على تأييد هائل فى المدن والبلدات .غير أن العنف إندلع فى أديس أبابا بعد أن ادعى تحالف المعارضة أن ائتلاف الجبهة الثورية الديمقراطية زور الإنتخابات . ولقي 19 مدنياً وسبعة أفراد من الشرطة حتفهم فى تلك الاحتجاجات .وفى ديسمبر 2006 أرسلت أثيوبيا قوات إلى الصومال لطرد الإسلاميين من السلطة . وقال محللون أن زيناوى أتخذ هذه الخطوة بدعم من الولاياتالمتحدة تتويجاً لعلاقات وثيقة سعى لبنائها مع الغرب منذ إطاحته بنظام منغستو . وقد انسحبت القوات الأثيوبية من الصومال فى يناير 2009 .وفى ديسمبر 2009 مثل ملس زيناوى القارة الأفريقية فى مؤتمر كوبنهاغن للمناخ مما عزز مكانته كزعيم رغم الاتهامات التى وجهتها له المعارضة بانه يتصرف كحاكم مستبد .وفى مايو 2010 اكتسحت الجبهة الثورية الديمقراطية انتخابات البرلمان المكون من 547 مقعداً ليفوز مليس بولاية رابعة كرئيس للوزراء وهى الانتخابات التى وصفها مراقبون من الاتحاد الاوروبى والولاياتالمتحدة بانها لم ترق للمعايير الدولية مما حدا بالمعارضة للمطالبة بإعادتها .وفى أبريل 2011 جاهرت أثيوبيا بدعمها لمتمردي إريتريا الذين يقاتلون للإطاحة بالرئيس أفورقى . وفى مارس 2012 أعترفت بأن قواتها شنت هجمات على متمردين إثيوبيين داخل الاراضى الإريترية .وفى يونيو 2012 سرت شائعات بأن زيناوى يعاني من مرض خطير بعد أن غاب عن مؤتمر قمة للاتحاد الأفريقى أنعقد فى عاصمة بلاده أديس أبابا . وفى 21 أغسطس 2012 اعلن التلفزيون الاثيوبى وفاة مليس بمرض مفاجىء فى وقت متأخر من مساء 20 أغسطس .ومليس زيناوى كان متزوجاً من آزب مسفين ، وهو أب لثلاثة أطفال . وتترأس زوجته حالياً لجنة الشؤون الإجتماعية فى البرلمان .وتباينت ردود الفعل إثروفاته فقد وصف البيت الابيض رحيله بانه خسارة مفاجئة لكن معارضيه إبتهجوا لوفاة طاغية .وسيؤدي نائب رئيس الوزراء هايلى مريم ديسالجن اليمين الدستورية رئيساً للوزراء بالانابة امام البرلمان وسيجتمع الحزب الحاكم لاختيار خليفة لزيناوى ولكن لم يحدد موعد ذلك .وأحجمت الحكومة الاثيوبية عن الكشف عن مكان علاجه أو طبيعة مرضه لكن مسؤولين بالاتحاد الأوربى قالوا أنه كان يعالج فى العاصمة البلجيكية عندما توفي بسبب مرض لم يتم الكشف عنه .واكتفى بركات سايمون المتحدث باسم الحكومة بالقول بانه كان مريضاً منذ عام وتوفي بعد نقله إلى العناية المركزة .استولى ملس على السلطة عام 1991 من المجلس العسكرى بقيادة منجستو هيلا مريم وأصبح شخصية سياسية بارزة فى القارة الأفريقية . واعتبر زعيما ً يمكن للغرب الإعتماد عليه فى معركته مع الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة .وينسب كثيرون إليه الفضل فى تمكين واحدة من أفقر دول العالم من تحقيق نمو إقتصادى مرتفع وأرسل مرتين قوات إلى الصومال المجاور للتصدي للمتشددين الإسلاميين .وقال الاتحاد الأفريقى الذى يتخذ من العاصمة الاثيوبية أديس ابابا مقراً له فى بيان (وفاة رئيس الوزراء الاثيوبى ملس حرمت أفريقيا من واحد من أعظم أبنائها) .ومع أن الجماعات الحقوقية انتقدته لحملته الصارمة على المعارضة غض الغرب الطرف عن حملاته القمعية بشكل عام تفادياً لخلاف مع شريك فى قتال الجماعات المرتبطة بالقاعدة فى أفريقيا .وقدم الرئيس الأمريكى أوباما التعازي وأشاد بألتزام ملس بمساعدة الفقراء واصفاً وفاته بانها «خسارة مفاجئة» لأثيوبيا وأشاد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بملس ووصفه بأنه «متحدث ملهم باسم أفريقيا» .وفى أديس أبابا احتشد الأثيوبيون فى المقاهى لمشاهدة التغطية التلفزيونية بعد أن أعلنت قناة إخبارية خاصة وفاة ملس ... وقال مصدر فى الإتحاد الاوربى أن ملس كان يعالج فى مستشفى سان لوك فى بروكسل .وقال نائبه هيلا مريم انهما تحادثا فى الآونة الأخيرة وأضاف « كان يتعافى بشكل جيد لدرجة أنه كان يقوم بانشطة رياضية خفيفة ... كنا دائماً على إتصال أثناء فترة تعافيه وكنا متفائلين من انه سيشفى تماماً» .