جولة حاسمة من المفاوضات ستنطلق بأديس أبابا، إحساس (الفاينال) في مباراة (كأسها بره) يُطارد الجمهور السوداني وهو يتطلع لحلول تعود على بلادنا بالرفاه والأمن والاستقرار. الملاحظ أن حالة من التفاؤل تسود الأوساط كافة نظراً للمرونة التي انتظمت فهم المفاوضين من الجانبين خلال الجولة الماضية، وعادت على المشهد العام باطمئنانٍ غير مسبوقٍ. بالنظر إلى الجولة الأخيرة نجد أن الطرفين تمكّنا من اختراق ملف النفط باتفاق تاريخي يتمنى المتابعون ألاّ يضيع وسط (الفاولات) المتوقعة في ملفي الحدود وأبيي تحديداً. من المهم الإشارة إلى أن توقيع اتفاق النفط سيكون رهيناً بالتقدم في الملفات الأخرى سيما الترتيبات الأمنية، ومن الواضح أن الطرفين سيتمكّنان من تجاوز هذا الملف ولو عبر إقرار اتفاقٍ مؤقتٍ ينهي حالة الاحتقان والمواجهة العسكرية المستمرة ويتعامل بحسم كبير مع دعم جوبا للحركات المتمرّدة. ضيق المهلة الزمنية سيدفع بالجانبين والوسطاء لممارسة (دفن الليل أب كراعاً بره) في عدد من الملفات، هذا الأمر ربما يعالج الأعراض ولكنه لن ينفذ الى مسببات الصراع الحقيقية ويتعامل معها بما يلزم من اتفاقات توصد باب تجدد المواجهات مرة أخرى. المجتمع الدولي يديرلعبة التفاوض بذكاء ويحاول استدراج الطرفين لوصفة جاهزة في ملفي أبيي والحدود، أمريكا المؤثرة على قرار العالم تسعى الآن لإنقاذ اقتصاد الجنوب، وتتطلع لإنجاز الاتفاق النفطي خلال الجولة المقبلة بما يتيح للدولة الوليدة النشوء بعيداً عن الاختناق الاقتصادي. الحكومة مطالبة في تكتيكها السياسي بالانتباه إلى حالة استدراج نحو مطابخ الوصفات الدولية خاصة في ملفي أبيي والحدود، هذه الوصفات الجاهزة لن توضع بعيداً عن مصالح دولة الجنوب التي تحاول اسرائيل الآن زيادة ثقلها السياسي بالاعلان عن زيارة مرتقبة لوزير خارجيتها افيغدور ليبرمان إلى جوبا. توقيت الزيارة يحمل خبثاً إسرائيلياً يحاول زعزعة تكتيك السودان بزيادة ثقل الجنوب السياسي، وإشعار المجتمع الدولي بقيمة جوبا لصديقتها الكبيرة تل أبيب المؤثرة على القرار الدولي. ربط الترتيبات الأمنية بالنفط سيكون أمراً وارداً خلال المفاوضات المقبلة وهو ما ظلّت تردده قيادات بارزة فى المؤتمر الوطني استناداً على قرارات مرجعية صادرة عن القطاع السياسي والمكتب القيادي للحزب. على الحكومة أن تنتبه إلى ضرورة إنجاز ملفاتها الخلافية مع جوبا قبل صافرة النهاية، التحكيم سيمنح أفضل الحلول حول القضايا المعلقة للمفاوضين الجنوبيين الذين استطاعوا اللعب على تكتيك الزمن كثيراً. اطلاق صافرة النهاية قبل إنجاز الملفات المُهمّة سيحيل السودان إلى منصات التحكيم الدولي في قضايا لا تحتمل أن تنجر الدولة وراء حسمها على هذه الشاكلة، من المُؤكّد أن الخرطوم سترفض هذا الخيار ومن واقع تجاربها السابقة، ولكن ما عساها فاعلة ان جاءتها وصفة دولية واجبة التنفيذ. سيخرج الطرفان وقد حقّقا الكثير من المكاسب الاقتصادية غير أن الجولة لن تمضي كثيراً في إزالة أسباب المواجهات وحسم القضايا المعقدة في أبيي وملف الحدود. الدولة مطالبة بيقظة تفاوضية لا تجعلها عرضةً للابتزاز في الموضوعات الحساسة مثل أبيي والحدود، وأن تكون حريصة في ذات الوقت على تأسيس مواقف متقدمة في موضوعات التفاوض مع عدم إغفال باب الذرائع الدولية الهادفة لاقتيادها إلى مربع الحلول المفروضة. الموازنة بين كل هذه المطالب صعبة للغاية لكنها ممكنة (إذا جعلنا السياسيين يشتغلوا) وأبعدناهم عن صخب الأجندة ودعاة التطرف.