تجددت اتهامات الحزب الحاكم للجنوب مرة أخرى باستغلال وتوظيف أبناء جبال النوبة بالضد من مصالح الخرطوم، آخرها جاءت على لسان د. كمال عبيد رئيس وفد مفاوضات المسار السياسي مع قطاع الشمال بالبرلمان أمس أشار فيها لوجود 30 ألف أسير لدى الحركة الشعبية، مهاجماً تصريحات سابقة لباقان أموم أكد فيها أن الحركة لن تستغني عن المقاتلين من أبناء النوبة، وطالب عبيد بفك أسر أبناء النوبة الذين تتعامل معهم الحركة وفق أحقادها وتستغلهم. وبعيداً عن صدق اتهامات الخرطوم أو كذبها، إلا أن الوقائع على الأرض خلال السنوات الماضية أكدت أن مكونات غير قليلة من أبناء جبال النوبة شكلت العمود الفقرى للجيش الشعبى، الأمر الذى أرجعه الكثيرون الى الوعى المبكر الذى اكتنف الشباب النوبي بقضايا التهميش ، المتسق مع شعارات الحركة الشعبية المرفوعة منذ 1983م.. رحلة التحالف السياسي بين أبناء النوبة بقضاياهم المتعددة والحركة الشعبية طبقاً للتاريخ ، استمرت الى حين توقيع اتفاق السلام دون أن يعكر صفوها شيء، قبل أن ترتفع أصوات تتحدث عن تدني نسبة مشاركة أبناء النوبة فى تقسيم السلطة وربما الثروة وتدني مستوى المواقع ، كان أعلاها صوت تلفون كوكو القيادي النوبي في صفوف الحركة والجيش الشعبي، قبل ان تحمل الأصوات المتململة اتهامات مباشرة للحركة ببيع قضايا النوبة والتراخي فى انتزاع حقوقهم، ليبلغ الأمر ذروته آنذاك بخروج أعداد مقدرة من أبناء الجبال بالحركة الشعبية منضمين لما عرف بالتغيير الديمقراطى بقيادة د.لام أكول فى ظل تنامي الأصوات وتزايدها، وهو الأمر الذي عدته الحركة الشعبية نشازاً يستوجب المكافحة، طبقتها عملياً باحتجاز تلفون كوكو حتى الآن.. الوطني من جانبه لم يألُ جهدًا فى تأليب أبناء الجبال وتبني خطاب تهميشهم داخل الحركة، وضخ الدماء فى خطاب توظيف الحركة لهم سياسياً، لصالح أو بهدف تحقيق انقسامات سياسية، تقلل من فرص مناورة الحركة سياسياً.. جهود الوطني بلغت أشُدّها فى إعادة انتاج قيادات نوبية اعتبرها مراقبون عفا عليهم الزمن، وتراكم عليهم غبار النسيان، فكان الفقيد مكي علي بلايل على موعد فى عمق دائرة الأحداث داخل ولاية جنوب كردفان.. إذاً .. تتعدد الأسماء والقضية واحدة ، هكذا يبدو المشهد بين أبناء جبال النوبة في الحركة الشعبية، رغم تفضيلهم النظر للأمر بعيداً عن حسابات العرق والجهة لصالح المشروع السياسي وقضاياه التى يطالب بمعالجتها، رافضين محاولات التركيز على الجانب الاثنى في قيادة مشروع سياسي، معتبرين ذلك محاولة من الوطني لزرع بذور الفرقة والشتات بين أبناء التنظيم الواحد مهما تناقضت تياراته.. الخرطوم ترى أن جبال النوبة كجزء من أزمة جنوب كردفان مصنوعة وأن الهدف هو سيناريو مصنوع لشد أطراف السودان الشمالي وفق مخططات جوبا في صراعها مع الخرطوم عبر سيناريو الاستغلال الأمر الذى يعتبره الكثيرون نوعاً من الهروب من الحقيقة، وأن توصيفات كتلك لم تكن لتجد لها محلاً من الإعراب لولا وجود مظالم حقيقية، وأن على الخرطوم تغيير استراتيجيتها في النظر للأمور وإعطاء السلام فرصة حقيقية من خلال تهيئة الأوضاع برفع هذه المظالم.. فى المقابل يرفض الكثير من أبناء النوبة المنضوين تحت أحزاب وحركات ومؤسسات مجتمع مدني، أن التحليلات القائلة سواء بتوظيف الحركة للنوبة أو استغلال الوطنى لهم، تصادر وعيهم وتنظر لهم باعتبارهم أدوات طيّعة فى أيادى الغير، ويدعمون وجهة نظرهم بالتطور التاريخي والسياسي لقضاياهم منذ ما قبل بروز د. جون قرنق، عبر أجسام سياسية طلابية وفى الشارع العام، قبل ان تلتقى الإرادات فى التفاعل مع مشروع الحركة باعتباره مشروعاً قومياً للسودان بأكمله، وأن الوعى بقضايا النوبة خاصة والسودان عامة هو صمام الأمان الذى امتلكه أبناء النوبة وجنوب كردفان من تأثير تلك الخطابات والممارسات على الإيمان بالقضايا.. المحلل السياسي من جنوب كردفان والناشط فى قضايا النوبة أنور بابكر يصر على أن ثمة استغلالا ماثلا من الحركة الشعبية مستشهداً بحديث سابق لباقان أموم عقب الانفصال بأن الحرب كانت نفيرا، ما يعني أن انقضاءها يعنى التفرق دون وضع حلول جذرية لقضايا أبناء النوبة، واعتبر ان أبناء النوبة كانوا وقود الحرب فى الصفوف الأمامية منها وقال( المشكلة أن د.قرنق فاوض نيابة عنا فى نيفاشا ، وعندما تحدث كوكو عن ذلك تم اعتقاله)، ويرى أن أنور أن الأمور اختلت كثيراً بعد موت قرنق ، وأن سلفاكير لم يمنح أبناء النوبة الاهتمام اللازم وقال (لم يزر كادوقلى إلا مرة واحدة لعمل سياسي وليس للحديث عن قضايانا، بل وظل ممسكاً بحقوق وأموال أبناء النوبة فى جوبا داخل بنك جبال النوبة بجوبا بدلاً عن انشائه فى كادوقلى)رافضين فى الوقت ذاته اتهام الوطني بممارسة ذات الاستغلال وقال ل(الرأى العام)(الوطني لم يستغلنا ومنحنا الكثير من الفرص للتعبير عن قضايانا والوصول فيها لحلول آخرها كانت فى عهد هارون الذى شهدت فيه الولاية استقراراً نسبياً حطمه الحلو بقرار الحرب وتوظيفه لقلة من أبناء الجبال لصالح أجندة خارجية). بينما يذهب أبو القاسم حسين الجاك المقرب من دوائر الحركة فى جنوب كردفان الى أن الخلل الماثل الآن وتبادل الاتهامات بتنفيذ الأجندات يرتبط بغياب الرموز الأساسية والصف الأول لأبناء النوبة، وقال ل(الرأى العام) (العديد من القيادات التى يمكنها وضع النقاط على الحروف غائبة تماماً عن المسرح النوبي ، دانيال كودى موجود في الخرطوم بحزب آخر ، وخميس جلاب خارج السودان، وتلفون معتقل في جوبا، والحلو مريض خارج السودان ، وكل ذلك يجعل الأمر ضبابياً الى حد كبير) ويرى أبو القاسم أن ما أسهم فى تكثيف الحديث عن الاستغلال السياسى لأبناء جبال النوبة ما شهده المجتمع النوبي نفسه من اتهام محمد أبوعنجة أبوراس رئيس وفد أبناء النوبة في الولاياتالمتحدة الأميركية ، للحركة الشعبية باستغلال النوبة في حربها لتحقيق أجندتها الخاصة، إبان زيارته للخرطوم، بالإضافة للحملة التى قادها الفقيد بلايل على الحركة الشعبية ، وآخرها قبيل وفاته بأن الحركة الشعبية تسعى لجعل المنطقة تعاني وتعيش أوضاعاً إنسانية حتى يتم اتخاذ الأمر كذريعة لإدخال منظمات أجنبية لتنفيذ مخطط غربي يرمي لسلخ جبال النوبة من امتدادها التاريخي والطبيعي. جبال النوبة بمشهدها الحالي ينطبق عليها المثل(مصائب قوم عند قوم فوائد) فما تعانيه الجبال يجعل كلا الطرفين الخرطوموجوبا ، مبدياً قدرته على التوظيف وان لم يكن الأمر حقيقياً لصالح أجندة كل منهما ، وربما تطبيقاً لفلسفة الاستفادة من الكوارث، فالخرطوم تعلم جيداً حجم مقدرات أبناء النوبة العسكرية والسياسية ، وما يعنيه فك ارتباط الجنوب بهم من ميل كفة ميزان الصراع لصالحها ، وجوبا تدرك أيضاً حجم خسارتها لو أنها أقدمت على إبعاد النوبة والتخلي المباشر والمعلن عنهم، الأمر الذى يرى حسين أنه سينعكس على سخونة الجولة الحالية عبر ثنايا الملف الأمنى بإصرار الخرطوم على فك الارتباط بالفرقتين التاسعة والعاشرة، رغم أن ذلك لن يعيد جبال النوبة وجنوب كردفان سيرتهما الأولى بحسب الرجل ولن يوقف الاستغلال المتبادل..