على لسان فاروق أبو عيسى رئيس الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني وبحضور قيادات الأحزاب السياسية السودانية المعارضة، أعلنت قوى المعارضة مقاطعتها لاجتماع لجنة صياغة الدستور .. أما الحيثيات التي بررت ذلك الموقف، فالأجابة عند أبو عيسى نفسه وهي أن المؤتمر الوطني يعمل لوضع دستور لتعزيز بقائه حاكماً منفرداً بالبلاد بعد أن عمل في مطبخ سري طبخه في الخفاء مع ما وصفها بقوى وجهات خلال عامين لتحضير دستور دائم بمعزل عن قوى الشعب السوداني ومكوناته، مبيناً أن المعارضة كانت تعلم تلك الخطوات على حد قوله، الأمر الذي طرح العديد من الاستفهامات. فيما وصف حزب المؤتمر الوطني موقف المعارضة الرافض للمشاركة في إعداد الدستور (بالاستباق غير المنطقي)، وتعليقاً عليه قال البروفسير بدر الدين أحمد إبراهيم - أمين أمانة الإعلام بالحزب الحاكم (كان من الأجدى للمعارضة انتظار مرحلة الحوار وتقديم المقترحات ومن ثم إعلان الرفض)، بينما ظلت الظنون تساور المتابعين والمراقبين حول اكتمال مشروع الدستور وصياغته من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وثمة اعتقاد أن عملية التداول حوله قد اكتملت، ولا ينقصه غير الدفع به إلى المؤسسات التشريعية ليتحول إلى دستور للبلاد، وهذا الاعتقاد الذي دائماً تؤكده قوى الاجماع الوطني في تصريحاتها ربما يكون واحداً من الأسباب الرئيسية التي دفعتها لرفض أية خطوة تقدم عليها الحكومة، بدءاً من تشكيل لجنة لهذا الغرض، ومروراً بأعمال هذه اللجنة ومداولاتها، وانتهاء بإجازة مشروع الدستور. من جانبه رهن حزب الأمة القومي مشاركته في لجنة الدستور بالاتفاق على فترة انتقالية وعقد مؤتمر دستوري، وهذا بالطبع ما لن يقبله حزب المؤتمر الوطني الذي ظل يؤكد رغم جاهزية مشروعه ? بحسب ما قاله المراقبون - إلا انه ملتزم بما أعلن عن قيام هيئة قومية لإعداد الدستور، في الحين الذي لا تزال فيه المعارضة متمسكة بموقفها الذي لا ينقصه عدم الثقة في أقوال المؤتمر الوطني، ولكن ثمة تسأولات مهمة طرحت نفسها بقوة على منضدة الدستور والتي اهمها أين تكمن مواقع الخلافات بشأن الدستور الذي يراد له أن يكون دائما ؟ في ذات السياق كانت الحكومة السودانية قد أكدت أن دستور البلاد القادم سيكون إسلاميا مائة بالمائة بحسب ما قاله رئيس الجمهورية المشير عمر البشير الذي قال في كلمة له أمام زعماء الطرق الصوفية بالخرطوم - قبل أشهر خلت - إن لا شيء سيحفظ لغير المسلمين حقوقهم سوى الشريعة الاسلامية لأنها عادلة، وهو ذات الأمر الذي كان يدور في اذهان المحللين والمتابعين لسير الأمور، بعد انفصال جنوب السودان ذي الأغلبية غير المسلمة العام الماضي، الشئ الذي قد يعزز التوقعات بأن الدستور القادم سيكون أكثر إسلامية من سابقه الذي عُرِف بدستور نيفاشا.. وكان قد تم الإعلان عن ميلاد جبهة الدستور الإسلامي للمطالبة بدستور إسلامي للبلاد، وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، في نهاية شهر فبراير الماضي، وطالبت القوى المكونة للجبهة الحكومة بقبول مسودة الدستور الإسلامي، مما دفع ببعض التيارات الأخرى لرفض الفكرة بل ونقدها بشكل كبير، في وقت قام فيه واضعو المسودة بتشكيل »جبهة الدستور الإسلامي« كجسم للدفاع عنها واستقطاب جماعات أخرى لصفها، حيث يرى القائمون عليها (كمنبر السلام العادل والإخوان المسلمين والرابطة الشرعية للعلماء والدعاة وحركة أقم السلفية وأنصار السنة المحمدية وشخصيات سلفية وإسلامية) أنها تمثل المخرج الذي يستوجب الاتفاق عليه بين التيارات الإسلامية بالبلاد كافة، فيما اعتبرها آخرون محاولة لفرض وصاية ورؤى بعينها على الشعب السوداني.. وقد يلحظ الراصد لمجريات الأمور أن المعارضة تبدو وكأنها غير معنية بما تفعل الحكومة نحو دستورها القادم، الأمر الذي يفسره البعض بأنها مشغولة بإعداد الإعلان الدستوري الذي سيحكم البلاد في فترتها الانتقالية القادمة، أي بعد سقوط النظام على حد تعبيراتها، بالإضافة إلى ما قاله أمين أمانة الأعلام بالمؤتمر الوطني والذي أوضح في سياق حديثه أن الدستور مسألة قومية ويجب على المعارضة عدم إدخاله في سباقها مع الحزب الحاكم. في المقابل ترى المعارضة أن المؤتمر الوطني غير مؤهل لوضع الدستور وأنه يخطط لإحكام قبضته السياسية، كما أنه يسعى بلعبة جديدة أن يجمع القوى السياسية المعارضة أمام الكاميرات لتزيين المائدة المسمومة بحسب رأي فاروق أبو عيسى. مما يزيد من احتمالات الخلاف حول إمكانية إعداد الدستور. وما يقوله تحالف المعارضة بعدم إمكانية إعداد دستور دائم للسودان في ظل انعدام الحريات والتحول الديمقراطي، ومطالبته بضرورة تفكيك ما وصفه بالشمولية ونظام الحزب الواحد والسعي لتشكيل حكومة انتقالية في نهاية فترتها يتم عقد انتخابات لاختيار نظام جديد تكون أولى مهامه إعداد دستور ديمقراطي أساسه المواطنة ودولة المؤسسات، يجعل البعض يتساءل عن مدى إمكانية حدوث مثل هذا الأمر على ارض الواقع، فبحسب - مراقبون - أن المؤتمر الوطني الممسك بزمام الحكم في البلاد لن يهتم كثيراً بموقف المعارضة الرافض للمشاركة في إعداد الدستور، ليس لأن الدستور معُد منذ أشهر ، بل لأنه يعلم أنه مهما انتظرها فلن تأتي.