من المفترض على الأخضر الإبراهيمي استهلال مهمته من حيث انتهى سابقه كوفي عنان. الشعب السوري لا يحتمل المزيد من الوقت المهدر في الاستطلاع والاستكشاف. لقاءات الموفد الأممي الجديد مع رأس النظام وقيادات من المعارضة لم تضف ما يعينه على تحقيق اختراق. بعد الانتظار المكلف في الأرواح والممتلكات خرج الإبراهيمي بقناعة محورها اتساع الفجوة بين النظام والمعارضة. هذا الاكتشاف لم يكن يتطلب من رجل بخبرة وحنكة الإبراهيمي كل هذا السفر الطويل عبر الزمن والركام والحطام. عند إنهاء مهمته أفصح كوفي عنان عن قناعته بأن حل الأزمة السورية يكمن في إحداث تغيير جذري. من هنا ينبغي على الإبراهيمي استكمال المشوار. مبادرات عدة جرى طرحها بغية الوصول إلى حل للأزمة. بعض من تلك المبادرات استهدف إحداث تغيير ما. جميع المبادرات انتهت إلى الإخفاق. النجاح المنشود يستهدف ليس فقط تشخيص عناصر الفشل والإخفاق بل بلورة وصفة النجاح المأمول. الإبراهيمي بدأ مهمته برؤية موضوعية ونافذة عندما اشترط الحصول على دعم مجلس الأمن مقابل قبول المهمة. مع يقيننا بعدم توافر ذلك الدعم، بدأ الدبلوماسي العربي المخضرم مهمته!! في ظل تقاطع المصالح الدولية على الأزمة السورية يظل توحيد الموقف الدولي العنصر الأكثر مضاء في بناء مخرج للأزمة المستفحلة. بدون الحصول على إرادة دولية فاعلة لن يحقق الإبراهيمي أفضل مما بلغ عنان. الانقسام داخل مجلس الأمن لايزال يشكل أحد مسارب استفحال الأزمة السورية. توحيد المواقف الدولية لا يعني بالضرورة تبني الخيار العسكري. هذه الخطوة لا يتم إنجازها على أرض سوريا بل في أروقة الدبلوماسية الدولية. توحيد مواقف المعارضة السورية المتشظية عنصر أساسي ثان على طريق تفكيك الأزمة. التئام فصائل المعارضة تحت مظلة موحدة ينقذ سوريا من محنة التقتيل والتدمير الطويلة الأمد. أية تسوية تفتح الأفق أمام عبور هذه المحنة تتطلب تنازلات من الجميع. مادام الإبراهيمي أكد بعد زيارته إلى دمشق وجود فجوة كبيرة بين الأطراف السورية فإنه أدرك رفض النظام تقديم أي قدر من التنازلات من أجل بناء جسر لعبور تلك الفجوة. الإبراهيمي منفرداً لن ينجح مهما أوتي من حكمة وخبرة في إقناع النظام بتقديم القدر المطلوب من تلك التنازلات. من غير المنطقي حصر النظام داخل واجهته العائلية أو حصره في سنده الطائفي أو على نطاق قاعدته الحزبية الضيقة. النظام السوري نسيج اقتصادي اجتماعي على مدار أربعة عقود داخل القطر السوري. هو نسيج سياسي كذلك متشابك داخل محيطه الجغرافي. الاعتراف الإيراني بانتشار الحرس الثوري في الشام أحد خطوط ذلك التشابك الإقليمي الصارخة. تلك الحقيقة لا تنفي عزم الشعب السوري العارم في إنجاز تغيير جوهري في بنية النظام الحاكم على أساس ديمقراطي. حجم الخسائر الفادحة في الأرواح والممتلكات يعبر عن رغبة الشعب في مواصلة المشوار إلى نهايته. صحيح أن منطق السياسة قائم على موازين القوى. لكن حين تتم المقابلة بين ترسانة النظام ومخزون صبر الشعب تكون الغلبة لاحتمال الشعب لا محالة. بعد ركام ست عشرة سنة من الحرب الأهلية في لبنان توصل الشعب اللبناني وأمراء الحرب إلى حتمية إلقاء السلاح وإعادة بناء الدولة. القناعة الجماعية تشكَّل وسط ظروفها الموضوعية والخاصة لدى كل شعب وكل قيادة. الرهان على الإبراهيمي خاسر في مهمة وصفها الموفد الأممي نفسه بأنها مستحيلة.