لم أكن متفائلاً على الإطلاق بالوصول إلى إتفاق واضح وصريح بين الحكومة السودانية ووفد الحركة الشعبية التى تحكم جنوب السودان بالحديد والنار . والسبب بسيط ... هو أننى أعلم العقلية التى تسيطر على الحركة الشعبية والدوافع التى تجعلها لا تصل إلى إتفاق مع حكومة السودان ... انها لا تريد الميل 14 ولا أبيى فقط وإنما تريد كل السودان ... لتحقق الأمنية المستحيلة للحركة بإنشاء السودان الجديد ... كل حدود السودان من حلفا إلى نمولى ... وبقية أجزاء السودان ، وما إهتمامها بقطاع الشمال إلا للمساهمة الجادة فى تحقيق هذه الرغبة المستحيلة . لقد حققت الحركة الشعبية معظم ما تريد من خلال إتفاقية نيفاشا ، ورغم ذلك هذه الإتفاقية التى أوقفت نزيف الدم لم ترض طموحها ... خاصة بعد رحيل الدكتور جون قرنق الذى كان تعمل له كل قيادات الحركة حساباً كبيراً ، بل لا يجرؤون أن يقولوا أى كلمة بوجوده . لذلك كان فقده كبيراً ليس للحركة الشعبية وإنما للسودان وبالذات الشمالى بعد الإنفصال . ولقد صدق حدسى الذى خبأته منذ إعلان بدء المفاوضات لاننى لا أريد أن يكون كلامى متشائماً ، وصمت لعل الله يجعل قلوبهم مفتوحة وعقولهم مفتوحة لتفعيل السلام الشامل مع السودان ، لأن فى السلام خيرا لنا نحن أهل الشمال وخيرا لأهل الجنوب . الوفد الجنوبى يتكون من عناصر معادية جداً للشمال وللعروبة وللإسلام ، ومتخصصة فى تفجير أى لقاء يتم تحديده بين الوفدين . التنازل عن أبيى كما يطالب أهل الجنوب ، إذا حدث سيكون كارثة على الشمال إذ سوف نخسر أهلنا المسيرية الذين أقسموا أن لا يفرطوا فى أى شبر من أبيى . أما الميل 14 فانه يأخذ حق أهلنا الرزيقات ... وكلاهما يمكن أن يخلق مشكلة للسودان ولدولة الجنوب ... يبدو أن عناصر الحركة المنحدرة من أبيى هى وراء كل العراقيل يقف من خلفهم وأمامهم باقان أموم الامين العام للحركة الشعبية ، وأخطر عناصر الحركة . إن المشكلة تحتاج لرجل عاقل فى الحركة ... وكنا نعتقد أن الرئيس سلفا كير هو الرجل العاقل الذى يعمل لحل المشكلة ... ولكننا إكتشفنا أنه مثل الآخرين ... وأن كل الخيوط ليست بيده وحده وإنما موزعة على عدة عناصر من صقور الحركة الشعبية . نأمل أن يصل الفهم إلى العقول التى يأتيها الفهم متأخراً ... ويعرفون المكاسب التى يمكن أن يحققها السلام . مشكلة الحرب ... هى الدعم المعنوى والمادى الذى يوفره لها المجتمع الدولى ... ويقويها على حكومة السودان لتحقيق مكاسب كان يسعى لها منذ فتره طويلة . وقد أكسب هذا الدعم قوة إضافية للحركة وجعلها لا تسأل فى أحد ... ولا تتجاوب مع أى مطالب مشروعة للشمال لتحقيق السلام للبلدين الشقيقين . ويجب أن لا يصدق أهل الحركة أنهم باقون على سدة الحكم فترة طويلة ، لأن الحراك السياسى فى الجنوب سينسف أى حكومة ، كما أن حركة التاريخ تتحدث عن أن الثابت هو المتحول .