“قل كلمتك قبل أن تموت فإنها ستعرف حتماً طريقها" .. محمد شكري! الجرح والتعديل في شئون الرجال وتحري عدالتهم علم ثابت منذ عهد النبوة، والسلطات العامة والهيئات التنفيذية شأنها شأن الضمائر والذمم قابلة – أيضاً – للنقد والتفنيد، لمبدأ استدراك الأخطاء، ولقاعدة استبدال والبتر، وكله في ظل إرادة سياسية لا تشوبها شائبة استهبال رسمي ..! السلطة التقديرية لموظف الدولة كانت وما تزال من أوسع أبواب الفساد، وربما كان الحل يكمن في سد الذرائع بمعايير دقيقة للأداء المهني ورقابة صارمة، ولوائح إدارية ساطعة، واختزال مدروس لخارطة المستندات، وتبسيط ذكي لقائمة الإجراءات ..! العلاقة بين موظف الدولة والمال العام ما تزال – عندنا – بدائية ومباشرة، وسد الذرائع يقتضي تحويلها إلى علاقة أرقام عبر التسهيلات الإلكترونية في المعاملات التي تكون عرضة لشبهات الفساد أكثر من غيرها، وعليه فالشفافية الإلكترونية تمنع بيع الأسرار لأنها تفرغ جعبة الموظف منها، وتجعل مواصفات وشروط العطاء الحكومي في متناول الجميع ..! يكفي العمل بقاعدة “كفاية الاتهام" دون الحاجة للأحكام القضائية، عند توظيف الأفراد لضمان عدم تولي أي فاسد لأي منصب قيادي، ولا بد من اعتبار عدم إبلاغ الموظف عن عرض الرشوة جريمة مستقلة، وأن تكون نصوص القانون حول جرائم الفساد واسعة وشبيهة بصيغ الجرائم الموجهة ضد الدولة ..! سياسة الأجل القصير المعلوم للفصل في قضايا الفساد ناجعة جداً، لأن إطالة عمر القضية في التحقيق ومراحل التقاضي يعد في حد ذاته مؤشراً للفساد، ومن المؤثر جداً أن يتزامن كل هذا مع حتمية العقوبة وفداحتها التي تدلل على قلة مردود جريمة الفساد مقارنة بجسامة مخاطرها ..! هيئات مكافحة الفساد لا بد أن تتمتع بسلطات واسعة في الكشف عن الجرائم، كسياسة مراقبة التغييرات التي تطرأ على أحوال الموظفين، وتسهيل إثبات الجرائم من خلال قرائن الإدانة (أي زيادة غير مبررة في دخل الموظف العام تعتبر قرينة على فساده، ما لم يثبت العكس)، وفي سبيل ذلك يجب أن تذلل القوانين عقبات الإطلاع على الحسابات المصرفية للساسة المسئولين والسادة الموظفين، وقبل ذلك وبعده، لا بد من إبطال مفعول الحصانات في قضايا الفساد ..! والأهم من ذلك كله، تعديلات قانونية محكمة، ودعاوى جنائية لا تتأثر بأحكام القوي، ولا تؤثر في مسيرة عدالتها صلاحيات النائب العام في وقف الإجراءات إياها ..! لا بد من جهاز قوي للتحقيق في ممارسات الفساد، يحترم بلاغات المواطنين العاديين (ناهيك عن الصحفيين الذين يتم التحقيق معهم وسجنهم إذا سولت لهم أنفسهم نشر أي وثائق عن فساد المسئولين الطلقاء!) .. وأن يكون للإعلام كامل الحق في نشر وثائق الفساد والأحكام الصادرة في مواجهة الفاسدين ..!