من اكثر الكتب رواجاً في عالم السياسة الدولية هذه الايام ذلك الكتاب المسمى (عالم ما بعد امريكا)، لمؤلفه الهندي الاصل الامريكي الجنسية فريد زكريا، وهو رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة النيوزويك النسخة العربية، وهو من الكتاب الامريكيين الكبار لا يقل تأثيراً عن جون ويدوورد وتوماس فريدمان وصموئيل هانتفون وغيرهم، من الذين يضعون المؤشرات للسياسة الامريكية الخارجية، ويعتبر زكريا من الداعمين للصقور ومن المتعصبين للسيادة الامريكية على العالم لذلك اختلف الناس في تفسير الدوافع لاصدار مثل هذا الكتاب، اذ كيف لامريكي متعصب مثله ان يكتب كتاباً يتنبأ فيه بنهاية الهيمنة الامريكية (paxamericana) على العالم، فالبعض يقول ان دافعه الاشفاق ويريد ان يسمع صانع القرار الامريكي (الكلام الببكيه) حتى ينتبه ويتخذ الخطوات التي يمكن ان تطيل امد الهيمنة الامريكية ولكن هذا لا ينفي موضوعية الرجل ورصانة كتابه واهميته. اجمل ما في الكتاب ان المؤلف خرج عن النهج التقليدي، فكل الذين كتبوا عن نهاية الفترة الامريكية كانوا ينظرون لداخل امريكا، ويركزون على اخطاء القيادة كالتدخل في العراق وعدم استشارة الحلفاء، وينظرون للمجتمع الامريكي حيث العطالة والجريمة والعنف السياسي، والصراعات العنصرية، اما فريد زكريا فقد نظر للموضوع من الخارج وهو ان الهيمنة الامريكية سوف تنتهي لان هناك قوى اخرى صاعدة، تحديداً الصين والهند، وطفق يقدم في الاحصاءات التي تثبت قدرات الصين المتطورة وكيف انها تتمسكن الى ان تتمكن، وكذا الهند وعدد المجالات التي تفوقت فيها على امريكا، وكان مصراً على ان معايير القوة لم تعد هي القوة العسكرية المجردة انما القوة الاقتصادية والبشرية والتقنية. كتاب زكريا يبعث على الامل لاننا في هذا الجزء من العالم ننتظر على أحر من الجمر ان تتحكم قوة شرقية في البشرية، فالهيمنة الغربية قد طالت واستطالت، وهي مجردة من الانسانية، فصراعات القوى الغربية ازهقت ارواح مئات الملايين من البشر وابقت على التمايز البشري، فالحياة عندهم تقوم على الصراع (والقوى يأكل الضعيف)، لذلك حنت البشرية لروحانية الشرق وانسانيته ولضرب الناس هنا المثل بعربة التويوتا التي دخلت الاكواخ والرواكيب لانها صناعة شرقية مبسطة ولو كانت صناعة العربات مازالت حكراً على الغرب لظلت ملكية السيارات عند الطبقات الارستقراطية فقط، فالتويوتا اليابانية غيرت العالم، بينما لم تفعل ذلك الفيات الايطالية، أو المرسيدس الالمانية أو الرينو الفرنسية ناهيك عن تلك الامريكية والبريطانية. عودة الى زكريا فلا يعني كتابه هذا اننا يجب ان نحسب الايام لكي نقدم العزاء لامريكا، فالشغلانة محتاجة لوقت طويل وتغيير الموازين الدولية يحتاج إلى زمن، وامريكا لن تسلم كرسييها هذا (باخوي واخوك)، لا بل اذا تضايقت لن تتورع في ركوب اعلى وآخر خيلها والهش على كل البشرية بصوت من عذاب.. اللهم اكفينا شر وشراسة امريكا ببركة هذا الشهر الكريم.