السفير السعودي لدى السودان يعلن خطة المملكة لإعادة إعمار ستة مستشفيات في السودان    مليشيا الدعم السريع تكرر هجومها صباح اليوم على مدينة النهود    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    شاهد بالفيديو.. رئيس مجلس السيادة: (بعض الوزراء الواحد فيهم بفتكر الوزارة حقته جاب خاله وإبن أخته وحبوبته ومنحهم وظائف)    شاهد بالصور والفيديو.. على أنغام الفنانة توتة عذاب.. عروس الوسط الفني المطربة آسيا بنة تخطف الأضواء في "جرتق" زواجها    المجد لثورة ديسمبر الخالدة وللساتك    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    المجد للثورة لا للبندقية: حين يفضح البرهان نفسه ويتعرّى المشروع الدموي    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    الناطق الرسمي للقوات المسلحة : الإمارات تحاول الآن ذر الرماد في العيون وتختلق التُّهم الباطلة    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    قرار بتعيين وزراء في السودان    د.ابراهيم الصديق على يكتب: *القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة…    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    صلاح.. أعظم هداف أجنبي في تاريخ الدوري الإنجليزي    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا وأزمة القوة العالمية.. الرؤية الاستراتيجية ... (1 - 3)
نشر في سودان سفاري يوم 10 - 06 - 2012


تأليف: زبيغنيو بريجنسكي / عرض: عبدالله ميزر
يناقش المؤلف في هذا الكتاب الأزمة العالمية في التنافس على القوة، ويضع رؤيته للعالم في حال تراجع الدور الأمريكي بعد ما يقارب عقدين من الزمن، خاصة أن العالم في الوقت الراهن يعيش على أصداء صعود دول كبرى، من شأنها أن تحوّل مركز ثقل القوة العالمية من الغرب إلى الشرق، وسط الصحوة السياسية التي تعمّ شعوب العالم، وظهور علامات تدهور الأداء الأمريكي على الصعيدين المحلي والدولي . كما يناقش أن هذه الأزمة تفرض تحديات خطرة طويلة الأمد، ليس على المصالح الأمريكية فقط، بل على بعض الدول المعرّضة للتهديد والخطر، وكذلك على الجهود المبذولة في وجه التهديدات العالمية، مثل التسليح النووي، وتغير المناخ، والاستقرار الجيوسياسي .
يرى في رؤيته الاستراتيجية أن الولايات المتحدة يجب أن تقوم بحلّ مشكلاتها الداخلية، وأن تسعى إلى استراتيجية، يمكن بها أن تستجيب إلى المصالح الاستراتيجية المختلفة . كما يرى أنها لابد أن تلعب دوراً أكبر في توحيد أوروبا، وأن تعمل على انخراط تركيا وروسيا في الغرب أكثر . ويبين أنه يتوجب عليها أن تخلق توازناً بين الدول الصاعدة في الشرق، وتتجنب أيّ تدخّل عسكريّ مباشر في صراعات الأرض الآسيويّة، وتدعم في الوقت نفسه تحالفها مع اليابان، وتعزّز علاقات التعاون مع الصين .
والمؤلف: بروفيسور في السياسة الخارجية الأمريكية في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز . ومستشار لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وقد كان يشغل منصب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وله العديد من المؤلفات المهمّة .
الكتاب صادر عن دار “بيسك بوكز" الأمريكية في 208 صفحات من القطع المتوسط 2012 .
ينقسم الكتاب، بعد المقدمة، إلى أربعة فصول: 1- الغرب المتقهقر . 2- انحسار الحلم الأمريكي . 3- العالم بعد أمريكا: بحلول ،2025 فوضى عارمة لا سيادة فيها للصين . 4-مابعد 2025: توازن جيوسياسي جديد . أخيراً: الخاتمة بعنوان: دور أمريكا الثنائي .
نستعرض وإياكم فصول الكتاب، نتناول فيها بإيجاز ما يودّ أن يطرحه المؤلف في رؤيته الاستراتيجية هذه، بحيث نركز فيها على أهم الأفكار .
في مقدمته يبين المؤلف أن هذا الكتاب يسعى إلى الإجابة عن أربعة أسئلة رئيسة نلخصها بالتالي:
1- ما هي نتائج التوزيع المتغيّر للقوة العالمية من الغرب إلى الشرق، وكيف تأثرت بالحقيقة الجديدة لإنسانية متيقظة سياسياً؟
2- لماذا قوة الثقل العالمية لأمريكا تتراجع، ما هي الأعراض المحلية والدولية لانحدار أمريكا، وكيف أضاعت أمريكا الفرصة العالمية الفريدة التي عرضتها النهاية الهادئة للحرب الباردة؟ وبالمقابل، ما هي قوى أمريكا المتعافية؟ وما ضرورة إعادة التوجيه الجيوسياسي لإنعاش دور أمريكا العالمي؟
3- ماذا ستكون النتائج الجيوسياسية المحتملة لو أن أمريكا انحدرت من موقعها المتفوق على المستوى العالمي، ومن هم الضحايا الجيوسياسيون شبه الفوريين لمثل هذا الانحدار، وماهو التأثير الذي يمكن أن تخلّفه في مشكلات القرن الواحد والعشرين على النطاق العالمي، وهل يمكن للصين أن تضطلع بدور أمريكا المركزي في الشؤون العالمية بحلول عام 2025؟
4- بالنظر إلى ما بعد ،2025 كيف يجدر بأمريكا ناهضة أن تعرّف أهدافها الجيوستراتيجية على المدى الطويل، وكيف يمكن لأمريكا، مع حلفائها الأوروبيين التقليديين، السعي إلى إدماج تركيا وروسيا، بهدف بناء غرب أكبر وأكثر قوة؟ وفي الوقت نفسه، كيف يمكن لأمريكا أن تحقق التوازن في الشرق بين الحاجة لتعاون وثيق مع الصين، وحقيقة دور أمريكي بنّاء في آسيا يستحسن ألا يكون للصين دور المركز فيه بشكل حصري، ولا يتضمن تشابكات خطرة في الصراعات الآسيوية؟
الإجابة عن هذه الأسئلة خلال الكتاب تبين أن دور الولايات المتحدة سوف يكون ضرورياً على مدى السنوات المقبلة . وفي الحقيقة، هذه التغيرات المستمرة في توزيع القوة العالمية وتصاعد الصراع العالمي يجعل ضرورياً أكثر ألا تتراجع الولايات المتحدة إلى ذهنية الدولة الحامية الجاهلة، أو أن تتخبط في نشوة ثقافية بقدر عالٍ من الثقة . ويؤكد المؤلف أن العالم يحتاج أمريكا بشكلها الاقتصادي الفعال، والاجتماعي الجذاب، وذات النفوذ من دون التخلي عن حسّ المسؤولية، ومتزنة على نحو استراتيجي، ومحترمة على الصعيد الدولي، وتكون مطلعة على اندماجها العالمي مع الشرق الجديد مع وضع التاريخ في الاعتبار .
القوى العالمية
يشير المؤلف إلى أن فكرة القوة المهيمنة على المستوى العالمي في حدّ ذاتها هي تطور تاريخي حديث . ذلك أنه على مدار الآلاف من السنين عاشت البشرية على شكل مجتمعات منعزلة، لم تكن واعية بالمجتمعات الأخرى، التي تفصل بين كل منها مسافات شاسعة . وخلال ما يقارب الثمانمئة سنة المنصرمة، بدأ الوعي بوجود الآخرين يتخلل الوعي الإنساني، عبر البعثات الدراسية، ووضع الخرائط للمناطق المجهولة، وكذلك عبر الاستعمار، والهجرات الكبيرة . وبشكل نهائي، قادت تلك المعرفة إلى حدوث نزاعات إمبريالية، قادت بدورها إلى نشوب حربين عالميتين على الهيمنة العالمية، ثم إلى مواجهة الحرب الباردة . وفي العقود الأخيرة، بعد التقاط صور الأرض في الليل من الفضاء الخارجي، ظهر التناقض الواضح بين مناطق تمركز المجتمعات البشرية المتحضرة، خاصة في الغرب التي تظهر مضاءة في الليل، والمناطق المظلمة التي تمثل بقية مناطق العالم المزدحمة .
يقف المؤلف بحديثه على مساحات الإمبراطوريات في العالم التي أكبرها كانت البريطانية، وتقهقرت في عام ،1920 ثم عن الدول الأوروبية شمال الأطلسي، التي قامت من القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين بفرض هيمنتها على مناطق وأراض امتدت إلى كافة الكرة الأرضية، وكذلك يتحدث عن استعمار الدول الإمبريالية، مثل البرتغال وإسبانيا لأمريكا الجنوبية، وبريطانيا وفرنسا لأمريكا الشمالية، والوصول إلى المحيطين الهندي والهادي .
خلال هذه الفترات، كانت الصراعات بين الدول الاستعمارية مستمرة للاستيلاء على الدول، وامتد الصراع بين هذه الدول على أوروبا نفسها، قبل الدخول في تحالف مشترك ضد ألمانيا، القوة الأوروبية الصاعدة، التي دخلت في المنافسة على الهيمنة العالمية . وبعد خوض الحربين العالميتين خرجت أوروبا منهكة ومقسمة ومحبطة، والاتحاد السوفييتي بدا هادئاً في التوجه نحو الغرب .
تشكّل القوّة الأمريكية
يرى المؤلف أنه في هذه الفترة، كانت الولايات المتحدة تطور قدراتها العسكرية والصناعية في عزلة جغرافية هانئة، بعيدة عن الصراعات الإمبريالية المدمرة . وكان تدخلها في الحربين العالميتين حاسماً في منع تفوق القوة الألمانية في أوروبا، ورغم تدخلها، فقد بقيت بمنأى عن الدمار الحاصل، والمذابح الناشئة عن الصراعات . علاوة على أن موقعها الجيوسياسي المحسودة عليه والوضع الاقتصادي في نهاية الحرب العالمية الثانية رفعاها إلى حالة جديدة، حالة من التفوق العالمي .
كنتيجة، فإن الحرب الباردة السوفييتية-الأمريكية اللاحقة عجلت بظهور الغرب المطل على الأطلسي تحت قيادة الولايات المتحدة، وهذا الرباط بين الدول الغربية والولايات المتحدة كان للتصدي في وجه الكتلة السوفييتية-الصينية عبر أوراسيا، وتم إضفاء الطابع المؤسساتي في الجانب الأمني مع نشوء حلف شمال الأطلسي، ورغم أن أوروبا الغربية، الساعية إلى التعافي من آثار الحرب العالمية الثانية، تلاحمت بشكل اقتصادي عبر المؤسسة الاقتصادية الأوروبية، التي تطورت فيما بعد إلى الاتحاد الأوروبي، بقيت عرضة لتهديد القوة السوفييتية، أما أوروبا الشرقية فأصبحت بشكل رسمي تقريباً محمية أمريكية، وبشكل غير رسمي تابعة مالياً واقتصادياً .
وبعد أربعة عقود من الزمن ظهر الغرب عبر الأطلسي قوة عالمية مهيمنة، وانهار الاتحاد السوفييتي بسبب التفكك الاجتماعي، والحماقة السياسية، والفشل الإيديولوجي والاقتصادي للماركسية، وكذلك سياسات الغرب الناجحة في الاحتواء العسكري والاختراق الإيديولوجي الهادئ . وكانت النتيجة الفورية هي انتهاء التفكك الأورربي بعد نصف قرن من الزمن . وعلى الرغم من التهديدات العسكرية المستمرة، بقيت القوى الأطلسية قادرة على إضفاء الطابع المؤسساتي على موقعها المهيمن في العلاقات العالمية، عبر شبكة من المنظمات الدولية المتعاونة، تراوحت من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى الاتحاد الأوروبي نفسه .
ويقف في حديثه على بدء التدخل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، التي قادتها الأطماع النفطية .
انتقال مركز الثقل العالمي
يرى المؤلف أن التأثير المتراكم للعديد من الأحداث والأزمات العالمية، وآخرها الأزمة الاقتصادية في ،2008 صنعت حقيقة جيوسياسية جديدة وهي: التغير المهم في مركز ثقل القوة العالمية، والديناميكة الاقتصادية من الأطلسي نحو الهادي، من الغرب إلى الشرق . ويشير إلى آراء المؤرخين الاقتصاديين حول حقيقة أن آسيا كانت المنتج المهيمن لإجمالي الإنتاج العالمي حتى القرن الثامن عشر، ففي أواخر سنة 1800 م، استأثرت آسيا ب60% من إجمالي الإنتاج العالمي، على النقيض من أوروبا 30% . حصة الهند وحدها في إجمالي الإنتاج العالمي بلغت 25% في عام 1750 م، لكن خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ومع تدخل الإمبريالية الأوروبية المدعومة بالتطور المالي والصناعي لأوروبا، تراجعت حصة آسيا العالمية بشكل متسارع . وبحلول عام ،1900 تقلصت حصة الهند إلى 6 .1% تحت الحكم الإمبريالي البريطاني المطوّل . والشيء نفسه بالنسبة للصين، فقد كان تأثير الإمبريالية البريطانية كبيراً فيها، خاصة من جانب التجار الذين عانوا عجزاً نقدياً، جراء شراء الشاي والخزف والحرير الصيني، وسعياً منهم للتعافي باعوا مخدر الأفيون إلى المستوردين الصينيين . وأما الانحدار السريع في دور الصين في الاقتصاد العالمي فكان بسبب تأخر بكين في حظر استيراد الأفيون، وفرض قيود على التجار الأجانب، ثم التدخلين المسلحين، الأول بريطاني، والثاني فرنسي وبريطاني . حتى أن هذا الحديث دفع بالبعض إلى أن يروا الصعود الاقتصادي الحالي في آسيا هو أصلاً عودة إلى الحالة الطبيعية التي كان عليها في السابق . ولكن من المهم ملاحظة أن التفوق الاقتصادي في آسيا كان في مناطق منعزلة، وغير متفاعلة مع بقية العالم، وكانت العلاقات مع أوروبا مقتصرة على التجارة عبر بضعة موانئ، أو كانت عبر القوافل التجارية عبر طريق الحرير .
صعود آسيوي مخيف
يشير المؤلف إلى أن صعود القوى الآسيوية الثلاث: (اليابان، الصين، الهند) لم يغير بشكل كبير جداً الترتيب العالمي للقوة، بل أبرز تبدد القوة العالمية . ذلك أن ظهور هذه الدول الآسيوية كلاعبين اقتصاديين-سياسيين مهمين هي بشكل محدد ظاهرة بعد الحرب العالمية الثانية، لأنه ولا دولة من هذه الدول استطاعت أن تستغل خيراتها لمصلحة السكان حتى النصف الثاني من القرن العشرين .
يذكر أن خوف الولايات المتحدة من صعود دور اليابان في الاقتصاد العالمي بعد الدمار الذي أحيق بها في الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من مخاوف الهيمنة الاقتصادية العالمية من قبل اليابانيين لم تكن حقيقية، إلا أن تعافي اليابان بعد الحرب العالمية الثانية أيقظ الغرب على إمكانية أن تفرض آسيا دوراً سياسياً واقتصادياً أكثر، خاصة بعد النجاحات الاقتصادية في المنطقة، بشكل بارز كوريا الجنوبية، التي بدأت منذ ،1960 بتأسيس اقتصاد قائم على التصدير، وبحلول ،2010 أعلن رئيس كوريا الجنوبية عن استعداد بلاده لأن تلعب دوراً رئيساً في صنع القرار الاقتصادي العالمي، وبشكل رمزي، استضافت سيؤول قمة مجموعة العشرين في ،2010 ونجد في الوقت نفسه أن كل من تايوان وسنغافورة ظهرتا كنماذج ديناميكية للنجاح الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، مع الاعتبار للنسب الأعلى للنمو خلال النصف الثاني من القرن العشرين أكثر مما حققته الاقتصادات الأوروبية خلال فترة التعافي بعد الحرب العالمية الثانية . ولكن هذه كانت مقدمة فقط للتغير الأكثر دراماتيكية في الترتيب الهرمي الاقتصادي والجيوسياسي للعالم، وهو صعود الصين الهائل، حيث وصلت إلى مصاف القوة العالمية الرائدة في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين . ويعود جذور هذا الظهور العالمي للصين إلى العديد من العقود، بدأت مع طلب المثقفين الصينيين الشباب القوميين إحداث انتعاش وطني في الاقتصاد، وتوج بعد عدة عقود بنصر الشيوعيين الصينيين . إلا أن الانطلاقة القوية في الحداثة الاقتصادية والاجتماعية للصين بدأت مع القائد الصيني دينغ شياوبنغ الذي قاد الصين من (1978 حتى 1992)، الذي حرر السوق من قيوده، وبالتالي فتح الصين على العالم الخارجي، ووضع الصين على مسار نمو وطني لا مثيل له . وصعودها أشار إلى علامات نهاية الغرب الوحيد المهيمن، وكذلك تغير مركز الثقل العالمي باتجاه الشرق .
صعود الهند المحدود
كما يشير المؤلف إلى أن الانتقال المستمر نحو الشرق في توزيع القوة العالمية كان مدفوعاً بظهور الهند ما بعد الاستعمار على المشهد العالمي، وهي من بين أكبر الدول تعداداً بالسكان، ولها تطلعات عالمية . والهند المعاصرة هي مزيج معقد من الحكم الذاتي الديمقراطي والظلم الاجتماعي المتفشي، والديناميكية الاقتصادية والفساد السياسي المنتشر، ونتيجة لذلك ظهورها السياسي كقوة في العلاقات العالمية جاء بعد الصين . وكانت الهند بارزة في تقاسم القيادة مع ما يسمى دول عدم الانحياز، واصطدامها العسكري السريع مع الصين في عام 1962 انتهى بهزيمتها، إلا أنها استردت أنفاسها مع نجاحاتها العسكرية في حربين خاضتهما مع باكستان الأولى في عام ،1965 والثانية عام ،1971 وعموماً، كان تفوق الهند مقتصراً على الآراء الأخلاقية في الشؤون العالمية، من دون أن يكون لها نفوذ متعادل . إلا أن هذا الفهم بدأ بالتغيير نتيجة لتطورين مهمين: إجراء الهند اختباراً لأداتها النووية في عام ،1974 وللأسلحة النووية في عام ،1998 وفترة نموها الاقتصادي المدهش الذي بدأ في أوائل التسعينات من القرن المنصرم .
ويرى المؤلف أن النخبة السياسية الهندية تدفعها رؤية استراتيجية طموحة، وذلك بالتركيز على ضمان نفوذ عالمي أكبر وإيمان بصدارتها على الصعيد الإقليمي . كما أن تحسن العلاقات الهندية-الأمريكية خلال العقد الأول من هذا القرن، عزز بشكل كبير المرتبة العالمية للهند، وأشبع تطلعاتها العالمية . ويبقى صراعها الشديد مع باكستان والذي يتضمن منافسة على نفوذ أكبر في أفغانستان انحرافاً جدياً عن تطلعاتها الجيوسياسية الأكبر . ولذلك كانت رؤية السياسة الخارجية الهندية هي أن الهند ليست خصماً للصين فقط، بل كانت في السابق إحدى القوى العالمية الكبرى، التي تفتقر إلى واقعية رصينة .
صعود وانحدار الإمبراطوريات
يجد المؤلف أن هذه القوى الآسيوية لم تكن، وليست متحدة إقليمياً كما هو حال حلف الأطلسي خلال الحرب الباردة، إنهم خصوم، ويشبهون في العديد من الجوانب القوى الأطلسية الأوروبية خلال صراعاتهم الاستعمارية ثم صراعاتهم الأوروبية القارية لأجل التفوق الجيوسياسي، الذي توج بالخراب الناتج عن الحربين العالميتين الأولى والثانية . ويرى أن الخصومة الآسيوية الجديدة يمكن لها أن تهدد الاستقرار الإقليمي، خاصة أن هذه القوى الآسيوية تملك أعداداً هائلة من السكان، بالإضافة إلى امتلاكها السلاح النووي .
ويوضح المؤلف أن الولايات المتحدة لا تزال بارزة، إلا أن شرعية وفعالية وديمومة قيادتها موضع شك بشكل كبير على مستوى العالم، وذلك بسبب تعقيد تحدياتها الداخلية والخارجية . كما يرى أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن ينافس ليكون القوة العالمية الثانية، لكن ذلك يتطلب اتحاداً سياسياً متيناً أكثر، مع سياسة خارجية مشتركة وقدرة دفاعية مشتركة . ويجد أن أي تصنيف متسلسل للقوى الرئيسة الأخرى وراء القوتين الأوليتين غير دقيق، فأي قائمة لابد أن تتضمن روسيا، اليابان، والهند، بالإضافة إلى القادة غير الرسميين للاتحاد الأوروبي: بريطانيا العظمى، ألمانيا، فرنسا .
ويشير المؤلف إلى التغيرات الخمسة في القيادة العالمية خلال قرن من الزمن من عام 1910 إلى عام 2010:
أولاً: كانت الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية مهيمنتين عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكانتا متحالفتين مع روسيا القيصرية الضعيفة التي تعرضت للهزيمة من قبل اليابان الصاعدة . وكانت تتعرض للتحدي من قبل ألمانيا النازية التي دعمتها الإمبراطوريتان المتهاويتان الهنغارية-النمساوية والعثمانية . وأمريكا على الرغم من أنها كانت حيادية في البداية، إلا أنها لعبت دوراً حاسماً في الإسهام بالنصر الأنغلو-فرنسي .
ثانياً: بين الحربين العالميتين، برزت بريطانيا القوة العالمية المهيمنة وأمريكا كانت صاعدة بشكل واضح .
ثالثاً: بين الحربين الباردة التي شهدت صراعاً بين القوتين العالميتين: الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وإرادة كل منهما كانت تلقي بظلالها على الجميع .
رابعاً: الهزيمة الأخيرة للاتحاد السوفييتي قادت إلى مرحلة القطب الواحد، حيث أصبحت الولايات المتحدة القوة العالمية الوحيدة .
وخامساً: بحلول ،2010 لاتزال الولايات المتحدة مهيمنة، إلا أن مجموعة جديدة من القوى تتسم بالتعقيد، من ضمنها عنصر آسيوي متنام، تصعد بشكل واضح .
المصدر: الخليج الاماراتية 10/6/2012م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.