ماْساة المرضى بمستشفى الفاشر التعليمى لم تكن وليدة اللحظة، ولكنها مأساة قديمة يعاني منها سكان الفاشر , وكى أُدّلِل على ما أقول، هنالك قصص حقيقية لحالات عديدة للمرضى، أذكر بعضاً منها لِلإستشهاد بها فقط لا على سبيل الحصر: المواطنة (سعاد هارون كرم الدين ) هى اُم لطفلين، تسكن الفاشر بحي الثورة جنوب ، فى شهر نوفمبر من العام 2004م، شعرت بكحة (نزْله) حادة ، فذهبت الى المستشفى مشياً على الأقدام إذ كانت حالتها مستقرة؛ أي ليس هنالك ما يقلق، كل ما كانت تتوقع أنْ تقابل الطبيب الذى سوف يعطيها بعضاً من الحبوب أو شراباً للنزلة، لكن بعد وصولها إلى المستشفى ? قسم الحوادث، قام الطبيب بتحويلها إلى عنبر الباطنية ليعلن بعد ذلك أنّ حالة المريضة تُستدْعى حجزها بالعنبر، استغربت المريضة كثيرا لقرار الطبيب وبدأت تردد «إنَها كحَةٌ وأنا على ما يُرامُ ولا أرى أى داعٍ لِحجزى بالمُستشْفى»، بعد دقائق قليلة جاءت إحدى الممرضات وقامت بتوصيل درب الكينين فى ساعد المسكينة (سعاد ) ثم كررت ذلك عدة مرات ، فسأل مرافق سعاد الممرضة: لماذا تعطيها درِبات الكينين؟ جاءت الاجابة هذا قرار الطبيب»، فسكتُ، وكان لابد من سؤال الطبيب، ولكن أين الطبيب؟ لم تر المريضة ومرافقها وجهه ولا غيره من الأطباء الذين لا يزورون المرضى ، ولكنهم تركوا مرضاهم للممرضات فقط. مكثت سعاد بالمستشفى ثلاثة أيام وفى كل يوم تسوء حالتُها، ولم يكن حتى زوجها موجوداً وقد تركت طفليها للجيران، فى أُمسية اليوم الثالث دخلت سعاد فى حالة عدم الوعى (الغيبوبة) ومع ذلك كانت تردد:» بالله اهتموا بأولادى! بالله اهتموا بأولادى...!» إلى أن فارقت الحياة، لقد ماتت سعاد المسكينة تاركة خلفها طفلين لا حول لهما ولاقوة. أمّا القصةُ الثانية، فهى للمواطن (عبد الله محمد الجعلى) أحد مواطنى الفاشر حيث يسكن بمعسكر السلام (ابوجا) وهو معسكر للنازحين وُلِد له مولود فى نهاية شهر فبراير المنصرم من هذا العام، حالته الصحية لم تكن على ما يُرام، ذهب به إلى مستشفى الفاشر التعليمى وبعد مقابلة الطبيب الذى حدّد حالة الطفْل بأنّ لديه إلتهابات، تم حجز الطفل فى عنبر الأطفال حديثي الولادة، إذ كان يُعطى حقنة (سيسى ونصف) بعد كل ثماني ساعات ثم يُرْمى بباقى الدواء (ثلاثة سيسى ونصف) وعندما قال والد الطفل لأحد الأطباء بأنْ يحتفظ بباقى الدواء بثلاجة المُستَشْفى، رفض ذلك بشدةٍ وكان فى كُلِّ مرةٍ يأْمُره بشراء الدواء من إحدى الصيدليات يصفها له، فلما شقّ عليه الأمرُ، اتفق مع آباء المواليد المرضى بإستِخدامِ (فتيل) الدواء لثلاثةِ أطفالٍ للمرة الواحدة، وبعد فحص الدم والموجات الصوتية فى إحدى المعامل بجوار صيدلية التأمين الصحى - مركز رقم (1) كانت تكلفة الفحوصات وحدها ثلاثمائة وخمس وثلاثين جنيهاً، كانت حالة الطفل بعد إعطائه الحُقن مستقرةٌ تارةً ومضطربةٌ تارةً أُخرى، الأمر الذى لم يطمئن له قلب والده، فقال للطبيب: أرجوك أن تحدد لى مرض الطفل بالضبط، فقال له: أن طفلك لديه ألمٌ فى الكبد وبالتالى لا بدّ من تحويله إلى الخرطوم، وفى أثناء إجراء التحويل، ساءت حالة الطفل وتمّ تحويله من عنبر قسم الأطفال حديثى الولادة إلى قسم العناية المُركّزة، كان والد الطفل يركضُ بشكل مستمر لإحضار أُسطوانة الأُكسجين بنفسه عندما ينقطع الأُكسجين، وكان يبحثُ عن طبيبٍ يشكو له هذا التقصير دون جدْوى، الممرضات فقط كنْ المراقبات للحالات ، فى إحدى المرَّاتِ إنقطع الأُكسجين كما كان يحدث عادةً، وبعد عناء وجد اسطوانة ،(فدرْدقها على التراب) من غرفة العمليات إلى الحوادث، وكان الحال هكذا حيث مكث الطفلُ لِمُدّةِ خمسةِ أيامٍ تحت العناية المُركّزة، ثم بعدها فارق الحياة فى يوم 13 مارس 2012م. أمّا القصة الثالثة، فقد حدثت ل(آدم عبد الله طاهر ) كان يعاني بعض الآلام فذهب إلى مستشفى الفاشر التعليمى وقابل الطبيب ، بعد إجراءِ الفحوصات اخبره الطبيب انه مصاب بمرض التايفويد ، كان ذلك فى اليوم الرابع من شهرِ رمضان المنصرم من هذا العام، وبعد تناول الأدوية لِمُدّةِ أُسبوعين تقريباً، زال الألم ولكن بعد عيد الفِطْر، بدأ يشعر بالألم مُجدّداً، فقابل الاخِتصاصى بمُجمّع جبل مرّة بالفاشر ? السوق الكبير، وبعد الفحص لم يظهر أىُّ أثرٍ لمرضٍ، ولم يشعر المريض بأىِّ تحسٌّنٍ ، فأجرى الفحصَ للمرّةِ الثالثةِ حيث ظهر التايفويد من جديد، كتب له الطبيبُ روشِتَة الدواء التى تحتوى على خمسِ حُقن، وعندما ذهب إلى الصيدلية لِشراءِ الحُقن، قال له الصيدلِىُّ : أنّ ثمنها أربعمائة جنيه، وأنّها حُقن للحالات المُزْمِنةِ فقط، وأنصحك بعدم شِرائها أو استخدامها، فقرر المجِئَ للخرطوم، إذ قابل الدكتور( حمد التُرابى ) أختصاصىَُ الباطنية والصدر بالمركز الطِبّى الحديث حيث ظهر ورمٌ حادٌ فى الجهةِ اليُمْنى من الرِئةِ، على حدِّ قولهِ كان نتيجة لتضارب فى الأدوية؛ إذ هنالك إستجابةٌ لبعضِ الأدوية وأيضاً عدم الإستجابة للبعض الآخر مما احدث له (تسمّمٌ دوائى) على حسب من فهم، وبعد تناول الادوية الجديدة بدأ المريض يمطِرُ عرقاً شديداً، وما زالت المقابلات مع الدكتور حمد متواصلة حتَى اليوم. خلاصة القول مستشفى الفاشر التعليمى ليس مدرسة لتدريب الأطباء (دكاترة الإمتياز) على حساب المرضى كما يبدو، ولكنه مكانٌ موضع ثقة من قبل المرضى بأنْ يلقوا العلاج، والرعاية والعناية التامة وخدمات الطوارىء لمن لا درهم له ولا دينار، ولا حول له ولا قوة إلا بالله. ومع ذلك كله، فلا بد من الإشادة بدور الدكاترة المهتمين بمرضاهم كل الإهتمام، لهم التقدير ولغيرهم التقصير، وعلى سبيل المثال أذكر مساعدة الطبيب العمومي بمستشفى الفاشر (تيسير ) التى يقول عنها عبدالله: إنها وقفت معه وقفة صلبة عندما إنقطع الأُكسجِين عن طفله كذلك التقدير جُل التقدير لجهد الممرضين والممرضات الذين يعملون دون كللٍ أو مللٍ، ليلاً ونهاراً شاعرين بالمسؤلية تجاهِ المرضى. النور عبد الله آدم- الخرطومجنوب، مايو 0915383670 من المحررة حاولنا الاتصال بإدارة مستشفى الفاشر التعليمي للتعليق على ما ورد سابقا ، ولكن لم نعثر على هواتف خاصة بهم ، ونشير الى أن الصفحة متاحة لاي تعليق حول الموضوع من قبل الجهات الطبية المختصة بمدينة الفاشر .