في طفولتي دخلت السينما قبل المدرسة، ورأيت أفلام الأبيض والأسود قبل أنْ أرى الأسود والأبيض في السبّورة والطبشورة... كنّا عندما نشاهد سيّارة مسرعة نحونا على الشاشة ونحن جلوس على مقاعد السينما نكاد على الفرار من مقاعدنا خشية أن تصدمنا السيّارة، فقد أوحي لنا (خيال) الطفولة بأنّ السيارة ستخرج علينا من شاشة السينما! وتَطوّرت مشاهداتي في السينما مع تطوّر الحيل السينمائيّة، لذلك لم نعد نخشى من القطار أو السيارة أو حتى الطائرة فقد أدركنا بأنّ مطار طائرة السينما هو الشاشة الفضّيّة! أثناء دراستنا الجامعيّة بالقاهرة علمت أنّ فيلماً سينمائيا أمريكيّا سيعرض قريباً تُجَهّز له سينما (مترو) تجهيزاً خاصاً، اسم هذا الفيلم: (الزلزال)، يحكى عن زلزال بمدينة فرانسيسكو... قطعنا تذكرتنا في أيام عرضه الأولى، ففوجئنا بأنّنا لم نشاهد فيلماً ولكنّنا حضرنا زلزالاً، فقد أحالت المؤثرات الصوتيّة والمؤثّرات البصرية صالة السينما إلى زلزال، خرج علينا الزلزال من شاشة السينما إلى أرضيّة الصالة والجدران التي كانت تهتز وتكاد على أخذنا نحن ومقاعدنا! دارت عجلات الزمان السينمائي فشاهدت ذات فيلم سينمائي أحداثاً تدور في المحيط الأطلنطي بين أمواجه المتقاتلة وقاعه الغائر... رأيت على الشاشة يومذاك فيلماً بتقنية البُعد الثالث... السُفن والأسماك الضخمة والصائدون يقتربون منّا ويكادون على ملامستنا... أوشكَ ما كنّا نخشاه في طفولتنا السينمائيّة على التَحقق، أنْ تخرج علينا أحداث الفيلم فتأتينا حتى مقاعدنا! في هذا الاسبوع شاهدنا عبر شاشات النقل التلفزيوني الحي المواطن النمساوي فيلكس يقفز إلى خارج حاجز الصوت ثمّ يهبط عائداً إلى سطح الأرض... لم يكن مشهد النمساوي فيلكس مشهداً من مشاهد سينما الخيال العلمي، بل كان مشهداً حيّاً من واقعنا الفضائي وواقعنا الأرضي! أخيراً جدّاً صار الواقع يسابق السينما... نَفَذتْ السينما من أقطار السماوات والأرض بأفلام الخيال العلمي قبل الجمهور، لكنْ نَفَذّ بعدها جمهور السينما إلى أقطار السماوات والأرض... نَفذت السينما من أقطار السماوات والأرض بسُلطان الحيل السينمائيّة، ثمّ نَفَذَ بعدها المغامرون من أقطار السماوات والأرض، وكان السُلطان هذه المرّة اسمه فيلكس!!