تجربتى الذاتيّة أوصلتنى لنتيجة كليّة فى التعاطى مع أشكال المُصنّفات المعرفيّة... لا أطيق ان اتعاطى مع المُنتج الثقافى أو الفنّى بغير وعائه الأصلى... فأنا فى الثقافة والفنون من الأسرى لشرط الإلتزام بفكرة المحتوى المناسب بالوعاء المناسب! لا أستطيع قراءة صحيفة من غير نسختها الورقيّة... لا ألجا لقراءة النسخة الإلكترونيّة من صحيفة إلا إذا كنت خارج الجاذبيّة السودانيّة... فقراءة النسخة الورقيّة من الصحيفة تمنحنى حرية قراءتها فى الوضع الذى اريد... وتمنحنى حريّة ثنى الصحيفة وتكويرها... لكنْ قبل ذلك فالنسخة الورقيّة تُمكّننى قبل الشروع فى قراءة الصحيفة من ان أشم رائحة الورق, فأنا من عاشقى رائحة الورق, وقد كنت أشم رائحة ورقة الإمتحان قبل البدء فى الإجابة... أيّام كنت طالبا كنت ارى زملائى يتلهفون لإكتشاف ما بداخل الورقة الإمتحانيّة للإطمئنان على أسئلتهم المتوقّعة, فى الوقت الذى أكون أنا فى حالة (شم) لورقة الإمتحان! لا أحب مشاهدة الفيلم السينمائى إلا فى صالة السينما إلا فى حالات الهبوط الإضطرارى فأقبل أن أراه على الفيديو أو التلفزيون, فمشاهدة الفيلم السينمائى حالة خروج من رحابة الدنيا إلى مكان ضيّق للجلوس أمام شاشة ضخمة... هى حالة إظلام لمشاهدة الفيلم وهو يتنزّل بالضوء والصوت على الشاشة, ثمّ إنارة الصالة من جديد ليسمح لك الفيلم السينمائى بالإنصراف! لن أسمح لنفسى بمشاهدة مسرحيّة إلا على خشبة المسرح... فالمسرح وصالته وخشبته وستاره وكواليسه هى لحظة حيّة يسقط فيها الحائط الرابع, وبدون خشبة المسرح تصبح مشاهدة المسرحيّة تعاطياً مع لحظة ميتة! مثلما أنّ الكتاب هو سفير الثقافة فإنّ سفارة الموسيقى هى لحظة مباشرة فى مسرح غنائى أو صالة كونشرتو أو دار للاوبرا, وأبغض الحلال الفنّى هو أن تلتقطها آذاننا من راديو/تلفزيون أو شريط كاسيت... لكنْ لا أطيق سماعها ولن أسمح لنفسى بسماع الموسيقى المفضلة لدىّ على كمبيوتر أو موبايل أو MP3 أو I pod للدخول إلى المنتج المعرفى ادخلوا إليه من أبوابه... وبابه هو وعاؤه... الثقافة محتوى ووعاء فادخلوا إلى المحتوى من وعائه!!