"غزة محتلة والحدود يجب أن تكون تحت سيطرة إسرائيل.. فهي التي تحتل الأرض ومن حقها معرفة ما يدخل".. محمد حسني مبارك! على الرغم من كون إسرائيل ديموقراطية في سياساتها الداخلية، إلاّ أنّها الدولة الوحيدة في العالم التي يسهل نقدها من الداخل (من قبل مواطنيها وفي إطار سياساتها الداخلية) ويصعب - حد الاستحالة - نقدها من الخارج.. فما بالك بمعاداتها والتدخل في سياساتها.. ومنشأ الصعوبة ليس في عدم اعترافها نظرياً بحق الآخرين في نقدها، بل في العراقيل التي تقوم بوضعها في طريق كل من يحاول ممارسة حقه المشروع في النقد، والمصائب التي تقوم بقذفها في وجه كل كيان سياسي يجاهر برفضه لوجودها..! تلك هي الفكرة المحورية في كتاب "باسكال بونيفاس" (هل من المسموح نقد إسرائيل في فرنسا) - عدد دور النشر التي رفضت طباعة هذا الكتاب هو سبع! - فأي نقد سياسي لأية دولة من دول العالم يقابل إما بالتأييد أو الرفض الأمر الذي ينتج عنه حوار في نهاية الأمر.. إلا إسرائيل التي يعتبر نقدها مشروع تهمة جاهزة هي "مُعاداة السامية"..! لقد نجحت إسرائيل بجدارة في خلط المعايير بهذا الشأن.. وبفضل جهودها الحثيثة بات لا يمكن لأي شخص كان في العالم - عدا العالم العربي - أن يعلن عداءه للصهيونية دون أن يسلم من تهمة (معاداة السامية).. حتى باتت معاداة الصهيونية مرادفاً شرطياً لمعاداة السامية..! وعليه فإنّ الاستفهام الذي ضمنه "بونيفاس" عنوان كتابه هو استفهام تقريري، أي أنه وبحسب معطيات الواقع لا أحد يَجرؤ على نقد إسرائيل.. وقد ثار اللوبي الموالي لإسرائيل في فرنسا ضد مؤلف الكتاب - وقاد ضده حملة منظمة اتهمته بالوقوف على حدود العداء للسامية، ولم يتوقف الأمر عن هذا الحد بل تطور إلى تهديدات بالقتل ومحاولات مستميتة لإعاقة مسيرته المهنية.. وكل هذا لأنه قال (بغم) في شأن الصراع العربي الإسرائيلي..! ذات الحرب الضروس يقودها المتطرفون الصهاينة ضد كبار المثقفين والمفكرين اليهود الذين ينتهجون الاعتدال من أمثال المفكر اليهودي "إدغار موران" صاحب كتاب (العالم الحديث والمسألة اليهودية) القائل "إن فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".. فمال الذي حدث ل «موران»..؟! اتهمته إسرائيل بالخيانة وأهين وجرجر إلى المحاكم بسبب مقالة نشرها في جريدة "لوموند الفرنسية" أدان فيها ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين (على الرغم من أن كتاباته وردت في سياق النقد البنّاء والحرص على سلامة شعبه).. فهل توردنا صراحتنا موارد موران إذا طلبنا من حكومتنا أن تكف عن استعداء إسرائيل علينا بلا دوافع محلية مُقنعة أو ضمانات سياسية موضوعية..؟!