السودانيّون السياسيّون والسياسيّون السودانيّون يبحثون دائماً عن مفتاح النهضة الماليزية، حتى انّ الإنقاذيين يتندّرون على أنفسهم بأنّ عدد الإنقاذيّين الذين وقفوا على التجربة الماليزية أكثر من الذين وقفوا على عرفات! استمعت قاعة الصداقة قبل يومين من مهاتير نفسه عن أسرار النهضة الماليزية فلم يبدها لهم على نحوٍ كافٍ، فبعض هذه الأسرار يلتصق بالبيئة وبالناس وبالزمان وبأشياءَ أُخرى لا تُرَى! عندما كان مهاتير يحكم ماليزيا لم يكن أحدٌ يعرف من هو رئيس وزراء ماليزيا، لم يسألوا عنه إلاّ بعد أنْ رأوا شعباً يخرج من الغابات إلى البنيات، ودولة وقد تحوّلت من قِطٍ إلى نِمرٍ! لم يلتفت العالم إلى ماليزيا وقيادتها إلاّ بعد أنْ شاهدوا مشهداً ساحراً للتعايش بين قوميّات وأديانٍ لا يجمعها غير مشروعٍ وطني واحد... جاء مهاتير إلى قيادة ماليزيا فوجدَ أنّ واقع بلده يتكوّن من صينيين ماليزيين أوضاعهم الاقتصاديّة والاجتماعيّة أفضل من الملاويين شعب ذلك البلد، ووجدَ هنوداً ماليزيين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فلم يشغل القائد نفسه بالحديث عن التهميش ولكنّه استوعبَ الواقع وبنى عليه! وعندما وقفت ماليزيا في طابور العرض مع الدول ذات العضلات الاقتصاديّة عرفه الكبار فأتوه بوصفة صندوق النقد الدولي وحاولوا اصطياد النمور الآسيوية كلها، لكنْ أفلتَ مهاتير من شبكة الصيّاد الدولي بموردٍِ لا يخطر على البال: زيت النخيل! ولمّا عرف كل العالم مَن هو رئيس وزراء ماليزيا فاجأهم وهو في القمّة بالرغبة الصادقة في النزول من القمّة، لم تحدّثه نفسه بأنّه صاحب التجربة وأنّ التجربة لم تكتمل ومن حقّه استكمالها حتى (2020)! القائد الذي تنتهي سياسته بالكفاية والعدل وإزاحة صخرة الفقر عن شعبه دون أنْ تنمو في شعبه طبقة سياسيّين أثرياء ليس هو إلاّ عمر بن عبد العزيز... لذلك فقد زَارَ عمر بن عبد العزيز الخرطوم وألقى محاضرة بقاعة الصداقة فسألته القاعة عن كلمة المرور للنهضة الماليزيّة فأجابهم... وخرج عمر بن عبد العزيز من القاعة ولكنْ دُونَ أنْ يعرف منه السودانيون كلمة المرور!!