نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    وزير الخارجية السوداني الجديد حسين عوض.. السفير الذي لم تقبله لندن!    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    سيكافا بطولة المستضعفين؟؟؟    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    شاهد بالفيديو.. بعد فترة من الغياب.. الراقصة آية أفرو تعود لإشعال مواقع التواصل الاجتماعي بوصلة رقص مثيرة على أنغام (بت قطعة من سكر)    مصر.. فرض شروط جديدة على الفنادق السياحية    شاهد بالصورة والفيديو.. ببنطلون ممزق وفاضح أظهر مفاتنها.. حسناء سودانية تستعرض جمالها وتقدم فواصل من الرقص المثير على أنغام أغنية الفنانة إيمان الشريف    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    مقتل 33899 فلسطينيا في الهجوم الإسرائيلي منذ أكتوبر    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    محمد بن زايد وولي عهد السعودية يبحثان هاتفياً التطورات في المنطقة    ترتيبات لعقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاة تنضم لقوات الدعم السريع وتتوسط الجنود بالمناقل وتوجه رسالة لقائدها "قجة" والجمهور يسخر: (شكلها البورة قامت بيك)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء فاضحة.. الفنانة عشة الجبل تظهر في مقطع وهي تغني داخل غرفتها: (ما بتجي مني شينة)    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    حمدوك يشكر الرئيس الفرنسي على دعمه المتواصل لتطلعات الشعب السوداني    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    محمد وداعة يكتب: حرب الجنجويد .. ضد الدولة السودانية (2)    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يكون رأس الدولة مفكراً
نشر في الراكوبة يوم 21 - 08 - 2010


[email protected]
المسألة الاقتصادية هي نقطة الضعف الرئيسة في مشروع الإسلام السياسي؛ فمعظم حركات الاسلام السياسي إن لم تكن كلها- لا تملك رؤية اقتصادية واقعية لمواجهة المشكلات البنيوية الاقتصادية التي تعاني منها مجتمعاتها، وليس لها مشروعاً تنموياً شاملاً يرتكز على منهج علمي رصين لتطوير القطاعات الاقتصادية، واقترابها من المسألة الاقتصادية هو مجرد خطابات استعراضية وحلول آنية دون وجود رؤية إستراتيجية وبدائل حقيقية، هناك أسباب موضوعية وإرغامات واقعية، لا يمكن تجاوزها، أدت إلى الخلل الكبير في المقاربة الاقتصادية الإسلاموية.
في هذا السياق كان جوهر المقاربة هو التأكيد على تمايز الاقتصاد الإسلامي عن الاقتصاد الغربي الليبرالي، من خلال حديث عام- بعيداً عن التأصيل الواقعي. التجربة الاسلاموية الاقتصادية السودانية الحالية خير دليل على فشل الاسلاميين في استنباط أسس أقتصادية إسلامية شاملة تهيمن على المشهد الاقتصادي بطريقة تتوازى مع الفكر الاقتصاد الغربي المهيمن على العالم، ومخرجات المشروع الاسلاموي السوداني الاقتصادية أصبحت تركز على \"نظرية رزق اليوم باليوم\" وهي نظرية سودانية بحتة لم يفتح الله بها على آباء مدارس الاقتصاد التقليدي والحديث، أو الكلي والجزئي ..... منذ آدم سمز 1723 – 1790 صاحب مدرسة الاقتصاد الكلي Macro economy إلى جون مانيارد كينز 1883–1946 الذي بنى على نظرية سابقه وأسس نظرية مدرسة الاقتصاد التقليدي الجديد neoclassical economy. بالنظر في خط تاريخ المسلمين تستطيع أن تلاحظ بأن العدل لا يتحقق بصلاح الحاكم فقط، ولا يتأتى بمجرد الإعلان عن تطبيق الشريعة، بل بوجود نظام حكم أي ضوابط تحاسب الحاكم إن أخطأ ، وتأخذ بيده إن تجاوز، وتعزله إن خرج على مصلحة الجماعة أو أساء استخدام مصالحها، وهي ضوابط قد تنبع من ضمير الحاكم ووجدانه، وهذا نادر لأن صاحب السلطة كراكب الأسد في كثير من الأحوال فالاصح أن تكون السلطة مقننة، وهذا ما تردده الدول المتقدمة في مجال السياسة والادارة المؤسسية وتطلق عليه مصطلح الحاكمية الرشيدة \"Good governance\" .
ظل اهتمام الإسلام السياسي في مجال التأصيل الاقتصادي، ينحصر في خدمات مصرفية، تحت شعار \"الأسلمة\"، وحتى هذه المجالات أخذت جودة روح الإسلام تتدنى فيها مع التنافس الشديد في ظل الخصخصة والتحولات الاقتصادية الجديدة وانفلات معايير الرقابة المالية الرشيدة والتي أصبحت إحدى الركائز في العمل المالي لدى الغربيين حيث يركزون في كتاباتهم الاقتصادية على \"الحاكمية الرشيدة\"، مع لحاظ أن السياسات التنموية والخدمية لكثير من الحكومات تصب في مصلحة المواطنين فلم تعد الحركات الإسلاموية هي وحدها من تتبنى شعارات إسلامية في مجتمعاتها، فهنالك خدمات ومشاريع تقدمها الحكومات من صحة وتعليم وبنى تحتية وتنمية بشرية تصب في خدمة الشعوب دون رفع أي لافتة إسلامية فهي أصلاً إسلامية. أما الكتابات في مجال الاقتصاد الاسلامي مثل كتاب محمد باقر الصدر \"اقتصادنا\" وكتاب سيد قطب \"العدالة الاجتماعية في الإسلام\"، فلم يطورا إلى نظريات اقتصادية واقعية بصورة تحل محل أو تعادل نظريتي الاقتصاد الكلي أو الجزئي الغربيتين Macro and micro economic theories إلا أن مقاربة اقتصاد إسلامي شامل كتجربة الاسلامي مهاتير محمد في ماليزيا هي التي يمكن أن يشار لها بأنها احدى أنجح التجارب التي يقدمها مفكر اقتصادي اسلامي فعلي وصل لرئاسة وزراء بلاده مع الاشارة إلى أن مهاتير في رؤاه الاقتصادية لم يستنكف من الأخذ ببعض تجارب المدارس الفكرية الانسانية من غير المسلمين عملاً بمبدأ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها.... لتحقيق الرفاه لكافة طوائف أبناء شعبه.
ولد مهاتير محمد في ديسمبر عام 1925م بولاية كيداه بماليزيا، وتلقى دراسته بكلية السلطان عبد الحميد، ثم درس الطب بكلية \"المالاي\" بسنغافورة وكانت تعرف بكلية الملك إدوارد السابع الطبية، وقام بدراسة الشؤون الدولية بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1967م. عندما كتب مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزياء السابق كتابه \"معضلة المالايو\" في عام 1970، والذي انتقد فيه بشدة شعب المالايو واتهمه بالرضا بان تظل بلاده دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها. جوبه الكتاب بمعارضة واسعة في الملايو، ومنع الكتاب من التداول نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها، وأصبح مهاتير محمد في نظر الكثيرين مجرد شاب متمرد لابد أن تحظر مؤلفاته. لكن الشاب مهاتير سرعان ما اقنع قادة الحزب بقدراته، وبرق نجمه في الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاما، وأتيحت له الفرصة ليحول أفكاره إلى واقع، وأصبحت بأفكاره الاقتصادية المنفتحة عالمياً والمعتدلة إسلامياً أحد انجح الاقتصادات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي. فتحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، كالقصدير والمطاط، إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في شوارع ماليزيا. وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970، أي أكثر من نصفهم، إلى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، بزيادة أكثر من سبع مرات مما كانت عليه منذ ثلاثين سنة، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%. لم يتحقق كل هذا من فراغ، بل كان وراءه مجموعة من السياسات التي جعلت ماليزيا تتمتع بأحد أفضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي. والاهم من ذلك هو أن الحكومة الماليزية كان لديها دائما تصور أو رؤية للمستقبل. لم يكن مهاتير سياسيا فقط بل كان أيضا مفكراً له كتبه ومؤلفاته، وصاحب رؤية لما ينبغي أن تكون عليه بلاده. وتدل خطة ماليزيا 2020 التي يعتبر مهاتير العقل المدبر لها، والتي تقوم على فكرة أن تصبح ماليزيا بحلول هذا التاريخ دولة مكتملة البنيان الصناعي أكبر دليل على ما يتحلى به من فكر اقتصادي رصين، وهي خطة تبدو شديدة الطموح، ولكن تحقيق ماليزيا نمواً بنسبة 6.7% في الفترة من 1970 إلى 1990، وبنسبة 7.1% في الفترة من 1991 إلى 2000، يدلل على قدرتها بهذه الرؤية الاقتصادية من تحقيق هذا الهدف إذا كررت نفس المشهد الاقتصادي.
القيم الشرقية الايجابية في الفكر الاقتصادي لمهاتير
إذا رجعنا للوراء في آخر تقرير للموازنة العامة قبل تقاعده، نلاحظ إدراك مهاتير لأهمية اعتناق قيم ايجابية لتحقيق التقدم المطلوب، وقد أكد أنه اعتنق منذ 22 عاما سياسة الاتجاه إلى الشرق، ويقصد بذلك اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا، وهي قيم مؤسسة على الانضباط الشديد والإخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.، وربما يبدو هذا المفهوم مخالفا لمفهوم البحث عن قيم التطور في الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير كان دائماً يرى أن ثقافة العمل في اليابان على وجه الخصوص هي الأنسب لثقافة وتكوين بلاده.
رأيه في العولمة
شدد مهاتير دائما على رفضه لفكر العولمة حسبما تفسرها وتطرحها الولايات المتحدة، ذلك لأنها ستؤدي (حسب رأيه) إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات الأمريكية العملاقة التي لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الأمر باستمرار احتكار الشركات الكبرى. ويرى مهاتير انه لا يجب القبول بأي أفكار أو سياسات لمجرد أنها صادرة من الغرب، وطبق أفكاره عمليا عندما رفض تطبيق السياسات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي أثناء أزمة الأسواق الآسيوية التي طالت دول منطقة جنوب آسيا بما فيها ماليزيا. فقد تعرضت العملة الماليزية الرينجيت، إلى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى خارج ماليزيا، وبدا أن النجاح الذي حققته على وشك التحول إلى فشل، وبعد بحث مستفيض للموضوع، اصدر مهاتير مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود على التحويلات النقدية لا سيما الحسابات المملوكة لغير المقيمين، وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وهذا يخالف سياسة تعويم العملة Currency fluctuation التي يصر عليها صندوق النقد الدولي دائما. ورغم ضغوط الصندوق، أصر مهاتير على سياسته التي أثبتت الأيام أنها كانت ناجحة حتى أن دولا كثيرة تدرسها وتحاول تكرارها. لكن وسائل الإعلام العالمية، حسبما قال مهاتير، ترفض الاعتراف بالنجاح الذي حققته ماليزيا في مواجهة الأزمة المالية الآسيوية، ولا تظهره بالشكل الكافي. من المسائل المثيرة للانتباه في التجربة الماليزية هي قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة، وهي المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبته 7%.. ويلاحظ أنه على اثر الصدامات العرقية التي وقعت عام 1969،أدرك الماليزيون أن استمرارها يعني خسارة الجميع، ومن ثم استطاع قادة المجموعات العرقية إيقاف هذه الصدامات بحيث لم تتكرر إلى يومنا هذا، وبالتالي تأكد عملياً أن السلم الأهلي هو العنصر المهم للنهضة التنموية، والتي سيستفيد منها كل المجتمع بطرق مباشرة وغير مباشرة، وأن ثقافة السلم الأهلي هي واجب جميع المواطنين تجاه بلدهم حتى يصلوا للتقدم والتنمية المنشودين.
للإيكونومست كلمة
في تقرير أصدرته مجلة \"الايكونومسيت\" عن التجربة الاقتصادية الماليزية في عهد مهاتير محمد، قال التقرير، أنه على الرغم من النجاح الاقتصادي الذي تحقق، إلا أن تركيز كل السلطات في يد مهاتير لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية في ماليزيا، كما لم يسمح بظهور أي زعيم قوي، وبدأ الأمر وكأن مهاتير لن يتقاعد أبدا. ولعل هذا التحامل من مجلة \"الايكونومست\" يعود لأراء مهاتير الجريئة في نقد الغرب بشكل عام والولايات المتحدة واستراليا بشكل خاص، و لتصريحاته الشهيرة عن اليهود التي قال فيها إن اليهود يحكمون العالم بالوكالة ويرسلون غيرهم للموت نيابة عنهم. ويذهب تقرير \"الايكونوميست\" في التحليل ويقارن بين تجربة مهاتير في ماليزيا وتجربة رئيس وزراء سنغافورة السابق \"لي كون يو\" الذي حول جزيرته الصغيرة إلى عملاق اقتصادي وصناعي، واستمر في الهيمنة على الحياة السياسية في بلاده بعد تقاعده. ونظرا لان مهاتير عبر دائما عن إعجابه بتجربة لي كون فمن الممكن أن يسلك مسلكه ويستمر في ممارسة دور في الحياة السياسية لبلاده.
أسس عملية في فكره الاقتصادي
ركز مهاتير في فكره الاقتصادي للتقدم بماليزيا على ركائز أساسية في مقدمتها الوحدة بين فئات الشعب فماليزيا بلد متعدد الأعراق ينقسم سكانها إلى السكان الأصليين وهم المالايا ويمثلون أكثر من نصف سكان ماليزيا، و من الصينيين والهنود وأقليات أخرى، و الديانة الرئيسية هي الإسلام بالإضافة للديانات الأخرى مثل البوذية والهندوسية \"ولقد نص الدستور الماليزي على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام مع ضمان الحقوق الدينية للأقليات الدينية الأخرى\"، لذلك لزم التوحد بين جميع الأطراف لتسير البلاد كلها من أجل الاتجاه نحو هدف واحد والعمل وفق منظومة تتكاتف فيها جميع الفئات، أما الركيزة الثانية في خطة التنمية فهي البحث عن دولة تقوم بالدعم لماليزيا في تجربتها نحو التقدم والتنمية فاختارت ماليزيا اليابان التي أصبحت أكبر حلفاءها في مشروعها نحو التنمية والتقدم، وثالث الركائز كانت تتمثل في العمل على جذب الاستثمار إلى ماليزيا وتوجيه الأنظار إليها، كما قام مهاتيربإدخال التكنولوجيا الحديثة والتدريب عليها حتى يتم الانتقال بالبلاد سريعاً إلى مرحلة أخرى أكثر تقدماً وأيضاً لتحقيق إمكانيات التواصل مع العالم الخارجي.
فكر مهاتير التنموي
تبنى مهاتير محمد المنهج التنموي ودفع بالمالايا نحو النهضة التنموية من خلال توفير مستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا، كما دفع بهم لتعلم اللغة الإنجليزية، وقام بإرسال البعثات التعليمية للخارج وتواصل مع الجامعات الأجنبية، حاول بكل جهده في إطار سياسته الاقتصادية بتجهيز المواطن الماليزي بكافة الوسائل العلمية والتكنولوجية لكي يستطيع الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي والتعرف على الثقافات المختلفة، ثم بعد ذلك الدفع به إلى سوق العمل من أجل زيادة الإنتاج وخفض مستوى البطالة بين أفراد الشعب، حيث كان يهدف لتفعيل الجزء الأكبر من المجتمع الأمر الذي يعود على ارتفاع مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد في نهاية الأمر، واستطاع أن يحول ماليزيا من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط والقصدير وغيرها إلى دولة صناعية متقدمة، حيث شارك القطاع الصناعي والخدمي في اقتصادها بنسبة 90 %، وأصبحت معظم السيارات التي توجد بها صناعة ماليزية خالصة، وزاد نصيب دخل الفرد زيادة ملحوظة فأصبحت واحدة من أنجح الدول الصناعية في جنوب آسيا، كما أدى هذا التحول إلى تقوية المركز المالي للدولة ككل.
أصبحت التجربة الاقتصادية الماليزية في النهضة الصناعية التي قامت بها تحت فكر مهاتير محمد مثالاً تحتذي به الدول، ومادة للدراسة من قبل الاقتصاديين. تعرض الزعيم الماليزي مهاتير محمد للعديد من الانتقادات على مدار حياته السياسية حيث وصفه البعض بالديكتاتور ولكن جاء قرار استقالته وهو في قمة مجده لينسف هذا المعتقد حيث لم يستأثر بالحكم على الرغم من النجاح الساحق الذي حققه أثناء حكمه للبلاد، وظل مثيراً للجدل من قبل الغرب نظراً لتصريحاته اللاذعة الشديدة اللهجة دائماً. وكانت أكثر هذه التصريحات جرأة وإثارة لغضب الغرب تلك التي كانت في القمة الإسلامية التي عقدت في ماليزيا حيث انتقد اليهود بشدة في كلمته التي ألقاها حيث أشار لسيطرتهم على القرار الدولي وقيامهم بإشعال نيران الحرب ضد المسلمين.
إثراء أدبي
ألف مهاتير عدداً من الكتب منها \"صوت ماليزيا\"، و\"صوت آسيا زعيمان أسيويان يناقشان مسائل القرن المقبل\" وقد قام بالمشاركة في هذا الكتاب السياسي الياباني شينتارو اشيهار. وقد تناول العديد من المؤلفين والكُتاب حياة الزعيم الماليزي مهاتير محمد والتجربة الماليزية سواء في مقالاتهم أو كتبهم منها كتاب \"مهاتير محمد.. عاقل في زمن الجنون\" الذي يستعرض التجربة الماليزية والظروف التي مرت بها وكيفية تغلب ماليزيا على الأزمات التي واجهتها، كما ركز الكتاب على شخصية مهاتير محمد وفلسفته ورؤيته الاقتصادية والسياسية والإسلامية.
وضع الدكتور مهاتير محمد ماليزيا في مصاف الدول من خلال نهضة شاملة لم تُعزف له خلالها موسيقى ولم يرقص طرباً لما قدم ... فاستحق احترام أمته والعالم ودعاء المسلمين له بالقبول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.