السودان.. خبر سعيد للمزارعين    معتصم جعفر يصل مروي ويعلّق على الحدث التاريخي    جهاز المخابرات العامة في السودان يكشف عن ضربة نوعية    البرهان يضع طلبًا على منضدة المجتمع الدولي    بالفيديو.. مطربة سودانية تقدم رقصة مثيرة أثناء إحيائها حفل خاص وتتفاجأ بأحدهم قام بتصوير اللقطة.. شاهد ردة فعلها المضحكة    الدعم السريع يشدد حصار الفاشر بحفر خنادق عميقة حول المدينة    بحضور رئيس مجلس الوزراء ووالي ولاية البحر الأحمر... "زين" ترعى انطلاقة برنامج "قرع الجرس" لبداية امتحانات الشهادة السودانية    الصحة العالمية: يوجد فى مصر 10 ملايين لاجئ ومهاجر 70% منهم سودانيون    لقاء بين"السيسي" و"حفتر"..ما الذي حدث في الاجتماع المثير وملف المرتزقة؟    عيد ميلاد مايك تايسون.. قصة اعتناقه الإسلام ولماذا أطلق على نفسه "مالك"    مزارعو السودان يواجهون "أزمة مزدوجة"    تمت تصفية أحد جنود المليشيا داخل مدينة نيالا بعد أن وجه إنتقادات حادة للمجرم عبدالرحيم دقلو    ذكري 30 يونيو 1989م    دبابيس ودالشريف    ملك أسبانيا يستقبل رئيس مجلس السيادة السوداني    باريس سان جيرمان يكتسح إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    السجن المؤبد عشرين عاما لمؤيدة ومتعاونة مع مليشيا الدعم السريع المتمردة    وصول الطاقم الفني للمريخ برفقة الثلاثي الأجنبي    رسائل "تخترق هاتفك" دون شبكة.. "غوغل" تحذّر من ثغرة خطيرة    الجيش السوداني يستهدف مخزن ذخيرة للميليشيا ومقتل قائد ميداني بارز    بعد تصريحات الفنان شريف الفحيل الخطيرة.. أسرة الفنان الراحل نادر خضر تصدر بيان هام وعاجل.. تعرف على التفاصيل كاملة    بالتنسيق مع الجمارك.. خطة عمل مشتركة لتسهيل وانسياب حركة الوارد بولاية نهر النيل    بعد ظهور غريب..لاعب الهلال السوداني يثير جدلاً كبيرًا    "مخدرات في طحين الإغاثة".. مغردون يفضحون المساعدات الأميركية لغزة    مصادرة"نحاس" لصالح حكومة السودان    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    الجَمْع بَينَ البُطُولَتين    رونالدو: الدوري السعودي أحد أفضل 5 دوريات في العالم    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    حادثة هزت مصر.. تفاصيل حزينة لمأساة "فتيات العنب"    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    شاهد بالفيديو.. الفنانة اليمنية الحسناء سهى المصري تخطف الأضواء على مواقع التواصل السودانية بعد تألقها في أداء أشهر أغنيات ثنائي العاصمة    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تغازل عازفها الجديد في إحدى حفلاتها الأخيرة وجمهورها يرد: (مؤدبة ومهذبة ومحتشمة)    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    "سيستمر إلى الأبد".. ترمب يعلن بدء وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    إيران ترد على القصف الأمريكي بعملية عسكرية    قوات الجمارك مكافحة التهريب بكريمة تضبط كميات كبيرة من المخدرات    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يكون رأس الدولة مفكراً
نشر في الراكوبة يوم 21 - 08 - 2010


[email protected]
المسألة الاقتصادية هي نقطة الضعف الرئيسة في مشروع الإسلام السياسي؛ فمعظم حركات الاسلام السياسي إن لم تكن كلها- لا تملك رؤية اقتصادية واقعية لمواجهة المشكلات البنيوية الاقتصادية التي تعاني منها مجتمعاتها، وليس لها مشروعاً تنموياً شاملاً يرتكز على منهج علمي رصين لتطوير القطاعات الاقتصادية، واقترابها من المسألة الاقتصادية هو مجرد خطابات استعراضية وحلول آنية دون وجود رؤية إستراتيجية وبدائل حقيقية، هناك أسباب موضوعية وإرغامات واقعية، لا يمكن تجاوزها، أدت إلى الخلل الكبير في المقاربة الاقتصادية الإسلاموية.
في هذا السياق كان جوهر المقاربة هو التأكيد على تمايز الاقتصاد الإسلامي عن الاقتصاد الغربي الليبرالي، من خلال حديث عام- بعيداً عن التأصيل الواقعي. التجربة الاسلاموية الاقتصادية السودانية الحالية خير دليل على فشل الاسلاميين في استنباط أسس أقتصادية إسلامية شاملة تهيمن على المشهد الاقتصادي بطريقة تتوازى مع الفكر الاقتصاد الغربي المهيمن على العالم، ومخرجات المشروع الاسلاموي السوداني الاقتصادية أصبحت تركز على \"نظرية رزق اليوم باليوم\" وهي نظرية سودانية بحتة لم يفتح الله بها على آباء مدارس الاقتصاد التقليدي والحديث، أو الكلي والجزئي ..... منذ آدم سمز 1723 – 1790 صاحب مدرسة الاقتصاد الكلي Macro economy إلى جون مانيارد كينز 1883–1946 الذي بنى على نظرية سابقه وأسس نظرية مدرسة الاقتصاد التقليدي الجديد neoclassical economy. بالنظر في خط تاريخ المسلمين تستطيع أن تلاحظ بأن العدل لا يتحقق بصلاح الحاكم فقط، ولا يتأتى بمجرد الإعلان عن تطبيق الشريعة، بل بوجود نظام حكم أي ضوابط تحاسب الحاكم إن أخطأ ، وتأخذ بيده إن تجاوز، وتعزله إن خرج على مصلحة الجماعة أو أساء استخدام مصالحها، وهي ضوابط قد تنبع من ضمير الحاكم ووجدانه، وهذا نادر لأن صاحب السلطة كراكب الأسد في كثير من الأحوال فالاصح أن تكون السلطة مقننة، وهذا ما تردده الدول المتقدمة في مجال السياسة والادارة المؤسسية وتطلق عليه مصطلح الحاكمية الرشيدة \"Good governance\" .
ظل اهتمام الإسلام السياسي في مجال التأصيل الاقتصادي، ينحصر في خدمات مصرفية، تحت شعار \"الأسلمة\"، وحتى هذه المجالات أخذت جودة روح الإسلام تتدنى فيها مع التنافس الشديد في ظل الخصخصة والتحولات الاقتصادية الجديدة وانفلات معايير الرقابة المالية الرشيدة والتي أصبحت إحدى الركائز في العمل المالي لدى الغربيين حيث يركزون في كتاباتهم الاقتصادية على \"الحاكمية الرشيدة\"، مع لحاظ أن السياسات التنموية والخدمية لكثير من الحكومات تصب في مصلحة المواطنين فلم تعد الحركات الإسلاموية هي وحدها من تتبنى شعارات إسلامية في مجتمعاتها، فهنالك خدمات ومشاريع تقدمها الحكومات من صحة وتعليم وبنى تحتية وتنمية بشرية تصب في خدمة الشعوب دون رفع أي لافتة إسلامية فهي أصلاً إسلامية. أما الكتابات في مجال الاقتصاد الاسلامي مثل كتاب محمد باقر الصدر \"اقتصادنا\" وكتاب سيد قطب \"العدالة الاجتماعية في الإسلام\"، فلم يطورا إلى نظريات اقتصادية واقعية بصورة تحل محل أو تعادل نظريتي الاقتصاد الكلي أو الجزئي الغربيتين Macro and micro economic theories إلا أن مقاربة اقتصاد إسلامي شامل كتجربة الاسلامي مهاتير محمد في ماليزيا هي التي يمكن أن يشار لها بأنها احدى أنجح التجارب التي يقدمها مفكر اقتصادي اسلامي فعلي وصل لرئاسة وزراء بلاده مع الاشارة إلى أن مهاتير في رؤاه الاقتصادية لم يستنكف من الأخذ ببعض تجارب المدارس الفكرية الانسانية من غير المسلمين عملاً بمبدأ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها.... لتحقيق الرفاه لكافة طوائف أبناء شعبه.
ولد مهاتير محمد في ديسمبر عام 1925م بولاية كيداه بماليزيا، وتلقى دراسته بكلية السلطان عبد الحميد، ثم درس الطب بكلية \"المالاي\" بسنغافورة وكانت تعرف بكلية الملك إدوارد السابع الطبية، وقام بدراسة الشؤون الدولية بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1967م. عندما كتب مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزياء السابق كتابه \"معضلة المالايو\" في عام 1970، والذي انتقد فيه بشدة شعب المالايو واتهمه بالرضا بان تظل بلاده دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها. جوبه الكتاب بمعارضة واسعة في الملايو، ومنع الكتاب من التداول نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها، وأصبح مهاتير محمد في نظر الكثيرين مجرد شاب متمرد لابد أن تحظر مؤلفاته. لكن الشاب مهاتير سرعان ما اقنع قادة الحزب بقدراته، وبرق نجمه في الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاما، وأتيحت له الفرصة ليحول أفكاره إلى واقع، وأصبحت بأفكاره الاقتصادية المنفتحة عالمياً والمعتدلة إسلامياً أحد انجح الاقتصادات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي. فتحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، كالقصدير والمطاط، إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في شوارع ماليزيا. وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970، أي أكثر من نصفهم، إلى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، بزيادة أكثر من سبع مرات مما كانت عليه منذ ثلاثين سنة، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%. لم يتحقق كل هذا من فراغ، بل كان وراءه مجموعة من السياسات التي جعلت ماليزيا تتمتع بأحد أفضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي. والاهم من ذلك هو أن الحكومة الماليزية كان لديها دائما تصور أو رؤية للمستقبل. لم يكن مهاتير سياسيا فقط بل كان أيضا مفكراً له كتبه ومؤلفاته، وصاحب رؤية لما ينبغي أن تكون عليه بلاده. وتدل خطة ماليزيا 2020 التي يعتبر مهاتير العقل المدبر لها، والتي تقوم على فكرة أن تصبح ماليزيا بحلول هذا التاريخ دولة مكتملة البنيان الصناعي أكبر دليل على ما يتحلى به من فكر اقتصادي رصين، وهي خطة تبدو شديدة الطموح، ولكن تحقيق ماليزيا نمواً بنسبة 6.7% في الفترة من 1970 إلى 1990، وبنسبة 7.1% في الفترة من 1991 إلى 2000، يدلل على قدرتها بهذه الرؤية الاقتصادية من تحقيق هذا الهدف إذا كررت نفس المشهد الاقتصادي.
القيم الشرقية الايجابية في الفكر الاقتصادي لمهاتير
إذا رجعنا للوراء في آخر تقرير للموازنة العامة قبل تقاعده، نلاحظ إدراك مهاتير لأهمية اعتناق قيم ايجابية لتحقيق التقدم المطلوب، وقد أكد أنه اعتنق منذ 22 عاما سياسة الاتجاه إلى الشرق، ويقصد بذلك اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا، وهي قيم مؤسسة على الانضباط الشديد والإخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.، وربما يبدو هذا المفهوم مخالفا لمفهوم البحث عن قيم التطور في الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير كان دائماً يرى أن ثقافة العمل في اليابان على وجه الخصوص هي الأنسب لثقافة وتكوين بلاده.
رأيه في العولمة
شدد مهاتير دائما على رفضه لفكر العولمة حسبما تفسرها وتطرحها الولايات المتحدة، ذلك لأنها ستؤدي (حسب رأيه) إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات الأمريكية العملاقة التي لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الأمر باستمرار احتكار الشركات الكبرى. ويرى مهاتير انه لا يجب القبول بأي أفكار أو سياسات لمجرد أنها صادرة من الغرب، وطبق أفكاره عمليا عندما رفض تطبيق السياسات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي أثناء أزمة الأسواق الآسيوية التي طالت دول منطقة جنوب آسيا بما فيها ماليزيا. فقد تعرضت العملة الماليزية الرينجيت، إلى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى خارج ماليزيا، وبدا أن النجاح الذي حققته على وشك التحول إلى فشل، وبعد بحث مستفيض للموضوع، اصدر مهاتير مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود على التحويلات النقدية لا سيما الحسابات المملوكة لغير المقيمين، وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وهذا يخالف سياسة تعويم العملة Currency fluctuation التي يصر عليها صندوق النقد الدولي دائما. ورغم ضغوط الصندوق، أصر مهاتير على سياسته التي أثبتت الأيام أنها كانت ناجحة حتى أن دولا كثيرة تدرسها وتحاول تكرارها. لكن وسائل الإعلام العالمية، حسبما قال مهاتير، ترفض الاعتراف بالنجاح الذي حققته ماليزيا في مواجهة الأزمة المالية الآسيوية، ولا تظهره بالشكل الكافي. من المسائل المثيرة للانتباه في التجربة الماليزية هي قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة، وهي المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبته 7%.. ويلاحظ أنه على اثر الصدامات العرقية التي وقعت عام 1969،أدرك الماليزيون أن استمرارها يعني خسارة الجميع، ومن ثم استطاع قادة المجموعات العرقية إيقاف هذه الصدامات بحيث لم تتكرر إلى يومنا هذا، وبالتالي تأكد عملياً أن السلم الأهلي هو العنصر المهم للنهضة التنموية، والتي سيستفيد منها كل المجتمع بطرق مباشرة وغير مباشرة، وأن ثقافة السلم الأهلي هي واجب جميع المواطنين تجاه بلدهم حتى يصلوا للتقدم والتنمية المنشودين.
للإيكونومست كلمة
في تقرير أصدرته مجلة \"الايكونومسيت\" عن التجربة الاقتصادية الماليزية في عهد مهاتير محمد، قال التقرير، أنه على الرغم من النجاح الاقتصادي الذي تحقق، إلا أن تركيز كل السلطات في يد مهاتير لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية في ماليزيا، كما لم يسمح بظهور أي زعيم قوي، وبدأ الأمر وكأن مهاتير لن يتقاعد أبدا. ولعل هذا التحامل من مجلة \"الايكونومست\" يعود لأراء مهاتير الجريئة في نقد الغرب بشكل عام والولايات المتحدة واستراليا بشكل خاص، و لتصريحاته الشهيرة عن اليهود التي قال فيها إن اليهود يحكمون العالم بالوكالة ويرسلون غيرهم للموت نيابة عنهم. ويذهب تقرير \"الايكونوميست\" في التحليل ويقارن بين تجربة مهاتير في ماليزيا وتجربة رئيس وزراء سنغافورة السابق \"لي كون يو\" الذي حول جزيرته الصغيرة إلى عملاق اقتصادي وصناعي، واستمر في الهيمنة على الحياة السياسية في بلاده بعد تقاعده. ونظرا لان مهاتير عبر دائما عن إعجابه بتجربة لي كون فمن الممكن أن يسلك مسلكه ويستمر في ممارسة دور في الحياة السياسية لبلاده.
أسس عملية في فكره الاقتصادي
ركز مهاتير في فكره الاقتصادي للتقدم بماليزيا على ركائز أساسية في مقدمتها الوحدة بين فئات الشعب فماليزيا بلد متعدد الأعراق ينقسم سكانها إلى السكان الأصليين وهم المالايا ويمثلون أكثر من نصف سكان ماليزيا، و من الصينيين والهنود وأقليات أخرى، و الديانة الرئيسية هي الإسلام بالإضافة للديانات الأخرى مثل البوذية والهندوسية \"ولقد نص الدستور الماليزي على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام مع ضمان الحقوق الدينية للأقليات الدينية الأخرى\"، لذلك لزم التوحد بين جميع الأطراف لتسير البلاد كلها من أجل الاتجاه نحو هدف واحد والعمل وفق منظومة تتكاتف فيها جميع الفئات، أما الركيزة الثانية في خطة التنمية فهي البحث عن دولة تقوم بالدعم لماليزيا في تجربتها نحو التقدم والتنمية فاختارت ماليزيا اليابان التي أصبحت أكبر حلفاءها في مشروعها نحو التنمية والتقدم، وثالث الركائز كانت تتمثل في العمل على جذب الاستثمار إلى ماليزيا وتوجيه الأنظار إليها، كما قام مهاتيربإدخال التكنولوجيا الحديثة والتدريب عليها حتى يتم الانتقال بالبلاد سريعاً إلى مرحلة أخرى أكثر تقدماً وأيضاً لتحقيق إمكانيات التواصل مع العالم الخارجي.
فكر مهاتير التنموي
تبنى مهاتير محمد المنهج التنموي ودفع بالمالايا نحو النهضة التنموية من خلال توفير مستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا، كما دفع بهم لتعلم اللغة الإنجليزية، وقام بإرسال البعثات التعليمية للخارج وتواصل مع الجامعات الأجنبية، حاول بكل جهده في إطار سياسته الاقتصادية بتجهيز المواطن الماليزي بكافة الوسائل العلمية والتكنولوجية لكي يستطيع الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي والتعرف على الثقافات المختلفة، ثم بعد ذلك الدفع به إلى سوق العمل من أجل زيادة الإنتاج وخفض مستوى البطالة بين أفراد الشعب، حيث كان يهدف لتفعيل الجزء الأكبر من المجتمع الأمر الذي يعود على ارتفاع مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد في نهاية الأمر، واستطاع أن يحول ماليزيا من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط والقصدير وغيرها إلى دولة صناعية متقدمة، حيث شارك القطاع الصناعي والخدمي في اقتصادها بنسبة 90 %، وأصبحت معظم السيارات التي توجد بها صناعة ماليزية خالصة، وزاد نصيب دخل الفرد زيادة ملحوظة فأصبحت واحدة من أنجح الدول الصناعية في جنوب آسيا، كما أدى هذا التحول إلى تقوية المركز المالي للدولة ككل.
أصبحت التجربة الاقتصادية الماليزية في النهضة الصناعية التي قامت بها تحت فكر مهاتير محمد مثالاً تحتذي به الدول، ومادة للدراسة من قبل الاقتصاديين. تعرض الزعيم الماليزي مهاتير محمد للعديد من الانتقادات على مدار حياته السياسية حيث وصفه البعض بالديكتاتور ولكن جاء قرار استقالته وهو في قمة مجده لينسف هذا المعتقد حيث لم يستأثر بالحكم على الرغم من النجاح الساحق الذي حققه أثناء حكمه للبلاد، وظل مثيراً للجدل من قبل الغرب نظراً لتصريحاته اللاذعة الشديدة اللهجة دائماً. وكانت أكثر هذه التصريحات جرأة وإثارة لغضب الغرب تلك التي كانت في القمة الإسلامية التي عقدت في ماليزيا حيث انتقد اليهود بشدة في كلمته التي ألقاها حيث أشار لسيطرتهم على القرار الدولي وقيامهم بإشعال نيران الحرب ضد المسلمين.
إثراء أدبي
ألف مهاتير عدداً من الكتب منها \"صوت ماليزيا\"، و\"صوت آسيا زعيمان أسيويان يناقشان مسائل القرن المقبل\" وقد قام بالمشاركة في هذا الكتاب السياسي الياباني شينتارو اشيهار. وقد تناول العديد من المؤلفين والكُتاب حياة الزعيم الماليزي مهاتير محمد والتجربة الماليزية سواء في مقالاتهم أو كتبهم منها كتاب \"مهاتير محمد.. عاقل في زمن الجنون\" الذي يستعرض التجربة الماليزية والظروف التي مرت بها وكيفية تغلب ماليزيا على الأزمات التي واجهتها، كما ركز الكتاب على شخصية مهاتير محمد وفلسفته ورؤيته الاقتصادية والسياسية والإسلامية.
وضع الدكتور مهاتير محمد ماليزيا في مصاف الدول من خلال نهضة شاملة لم تُعزف له خلالها موسيقى ولم يرقص طرباً لما قدم ... فاستحق احترام أمته والعالم ودعاء المسلمين له بالقبول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.