شاهد بالفيديو.. جنود بالدعم السريع قاموا بقتل زوجة قائد ميداني يتبع لهم و"شفشفوا" أثاث منزله الذي قام بسرقته قبل أن يهلك    الجزائر تتفوق على السودان بثلاثية نظيفة    سهير عبد الرحيم تكتب: ماحدث في نيويورك    شاهد بالفيديو.. الفنان محمد بشير يرقص بطريقة مثيرة على موسيقى الأغاني الخليجية    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    شاهد بالفيديو.. الطالب صاحب المقطع الضجة يقدم اعتذاره للشعب السوداني: (ما قمت به يحدث في الكثير من المدارس.. تجمعني علاقة صداقة بأستاذي ولم أقصد إهانته وإدارة المدرسة اتخذت القرار الصحيح بفصلي)    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    البرهان يزور تركيا بدعوة من أردوغان    المريخ يحقق الرمونتادا أمام موسانزي ويتقدم في الترتيب    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    تقارير: الميليشيا تحشد مقاتلين في تخوم بلدتين    جنوب إفريقيا ومصر يحققان الفوز    شاهد بالصورة.. الناشط محمد "تروس" يعود لإثارة الجدل ويستعرض "لباسه" الذي ظهر به في الحفل الضجة    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    سيدة الأعمال رانيا الخضر تجبر بخاطر المعلم الذي تعرض للإهانة من طالبه وتقدم له "عُمرة" هدية شاملة التكاليف (امتناناً لدورك المشهود واعتذارا نيابة عنا جميعا)    شاهد بالصورة والفيديو.. المذيعة تسابيح خاطر تستعرض جمالها بالفستان الأحمر والجمهور يتغزل ويسخر: (أجمل جنجويدية)    القيادية بالحرية والتغيير حنان حسن تفاجئ الجميع وتدافع عن الطالب الذي أهان معلمه بالرقص أمامه: (ما شفت رقصه قلة أدب ولا عدم تربية وانتو خالطين بين الاحترام والخوف وبين التربية والقسوة)    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    مكافحة التهريب بكسلا تضبط 13 ألف حبة مخدرات وذخيرة وسلاح كلاشنكوف    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    ريال مدريد يزيد الضغط على برشلونة.. ومبابي يعادل رقم رونالدو    وفاة مسؤول بارز بناد بالدوري السوداني الممتاز    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    تونس.. سعيد يصدر عفوا رئاسيا عن 2014 سجينا    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يكون رأس الدولة مفكراً: مهاتير محمد: وسطية إسلامية = نهضة اقتصادية .. قراءة: أسامة بابكر
نشر في سودانيل يوم 21 - 08 - 2010


[email protected]

المسألة الاقتصادية هي نقطة الضعف الرئيسة في مشروع الإسلام السياسي؛ فمعظم حركات الاسلام السياسي إن لم تكن كلها- لا تملك رؤية اقتصادية واقعية لمواجهة المشكلات البنيوية الاقتصادية التي تعاني منها مجتمعاتها، وليس لها مشروعاً تنموياً شاملاً يرتكز على منهج علمي رصين لتطوير القطاعات الاقتصادية، واقترابها من المسألة الاقتصادية هو مجرد خطابات استعراضية وحلول آنية دون وجود رؤية إستراتيجية وبدائل حقيقية، هناك أسباب موضوعية وإرغامات واقعية، لا يمكن تجاوزها، أدت إلى الخلل الكبير في المقاربة الاقتصادية الإسلاموية.
في هذا السياق كان جوهر المقاربة هو التأكيد على تمايز الاقتصاد الإسلامي عن الاقتصاد الغربي الليبرالي، من خلال حديث عام- بعيداً عن التأصيل الواقعي. التجربة الاسلاموية الاقتصادية السودانية الحالية خير دليل على فشل الاسلاميين في استنباط أسس أقتصادية إسلامية شاملة تهيمن على المشهد الاقتصادي بطريقة تتوازى مع الفكر الاقتصاد الغربي المهيمن على العالم، ومخرجات المشروع الاسلاموي السوداني الاقتصادية أصبحت تركز على "نظرية رزق اليوم باليوم" وهي نظرية سودانية بحتة لم يفتح الله بها على آباء مدارس الاقتصاد التقليدي والحديث، أو الكلي والجزئي ..... منذ آدم سمز 1723 – 1790 صاحب مدرسة الاقتصاد الكلي Macro economy إلى جون مانيارد كينز 1883–1946 الذي بنى على نظرية سابقه وأسس نظرية مدرسة الاقتصاد التقليدي الجديد neoclassical economy. بالنظر في خط تاريخ المسلمين تستطيع أن تلاحظ بأن العدل لا يتحقق بصلاح الحاكم فقط، ولا يتأتى بمجرد الإعلان عن تطبيق الشريعة، بل بوجود نظام حكم أي ضوابط تحاسب الحاكم إن أخطأ ، وتأخذ بيده إن تجاوز، وتعزله إن خرج على مصلحة الجماعة أو أساء استخدام مصالحها، وهي ضوابط قد تنبع من ضمير الحاكم ووجدانه، وهذا نادر لأن صاحب السلطة كراكب الأسد في كثير من الأحوال فالاصح أن تكون السلطة مقننة، وهذا ما تردده الدول المتقدمة في مجال السياسة والادارة المؤسسية وتطلق عليه مصطلح الحاكمية الرشيدة "Good governance" .

ظل اهتمام الإسلام السياسي في مجال التأصيل الاقتصادي، ينحصر في خدمات مصرفية، تحت شعار "الأسلمة"، وحتى هذه المجالات أخذت جودة روح الإسلام تتدنى فيها مع التنافس الشديد في ظل الخصخصة والتحولات الاقتصادية الجديدة وانفلات معايير الرقابة المالية الرشيدة والتي أصبحت إحدى الركائز في العمل المالي لدى الغربيين حيث يركزون في كتاباتهم الاقتصادية على "الحاكمية الرشيدة"، مع لحاظ أن السياسات التنموية والخدمية لكثير من الحكومات تصب في مصلحة المواطنين فلم تعد الحركات الإسلاموية هي وحدها من تتبنى شعارات إسلامية في مجتمعاتها، فهنالك خدمات ومشاريع تقدمها الحكومات من صحة وتعليم وبنى تحتية وتنمية بشرية تصب في خدمة الشعوب دون رفع أي لافتة إسلامية فهي أصلاً إسلامية. أما الكتابات في مجال الاقتصاد الاسلامي مثل كتاب محمد باقر الصدر "اقتصادنا" وكتاب سيد قطب "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، فلم يطورا إلى نظريات اقتصادية واقعية بصورة تحل محل أو تعادل نظريتي الاقتصاد الكلي أو الجزئي الغربيتين Macro and micro economic theories إلا أن مقاربة اقتصاد إسلامي شامل كتجربة الاسلامي مهاتير محمد في ماليزيا هي التي يمكن أن يشار لها بأنها احدى أنجح التجارب التي يقدمها مفكر اقتصادي اسلامي فعلي وصل لرئاسة وزراء بلاده مع الاشارة إلى أن مهاتير في رؤاه الاقتصادية لم يستنكف من الأخذ ببعض تجارب المدارس الفكرية الانسانية من غير المسلمين عملاً بمبدأ الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذ بها.... لتحقيق الرفاه لكافة طوائف أبناء شعبه.

ولد مهاتير محمد في ديسمبر عام 1925م بولاية كيداه بماليزيا، وتلقى دراسته بكلية السلطان عبد الحميد، ثم درس الطب بكلية "المالاي" بسنغافورة وكانت تعرف بكلية الملك إدوارد السابع الطبية، وقام بدراسة الشؤون الدولية بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1967م. عندما كتب مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزياء السابق كتابه "معضلة المالايو" في عام 1970، والذي انتقد فيه بشدة شعب المالايو واتهمه بالرضا بان تظل بلاده دولة زراعية متخلفة دون محاولة تطويرها. جوبه الكتاب بمعارضة واسعة في الملايو، ومنع الكتاب من التداول نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها، وأصبح مهاتير محمد في نظر الكثيرين مجرد شاب متمرد لابد أن تحظر مؤلفاته. لكن الشاب مهاتير سرعان ما اقنع قادة الحزب بقدراته، وبرق نجمه في الحياة السياسية بسرعة، وتولى رئاسة وزراء بلاده من عام 1981 لمدة 22 عاما، وأتيحت له الفرصة ليحول أفكاره إلى واقع، وأصبحت بأفكاره الاقتصادية المنفتحة عالمياً والمعتدلة إسلامياً أحد انجح الاقتصادات في جنوب آسيا والعالم الاسلامي. فتحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية، كالقصدير والمطاط، إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الإجمالي، وتبلغ نسبة صادرات السلع المصنعة 85% من إجمالي الصادرات، وتنتج 80% من السيارات التي تسير في شوارع ماليزيا. وكانت النتيجة الطبيعية لهذا التطور أن انخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر من 52% من إجمالي السكان في عام 1970، أي أكثر من نصفهم، إلى 5% فقط في عام 2002، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، بزيادة أكثر من سبع مرات مما كانت عليه منذ ثلاثين سنة، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3%. لم يتحقق كل هذا من فراغ، بل كان وراءه مجموعة من السياسات التي جعلت ماليزيا تتمتع بأحد أفضل بيئات الاستثمار في جنوب آسيا حسب دراسات البنك الدولي. والاهم من ذلك هو أن الحكومة الماليزية كان لديها دائما تصور أو رؤية للمستقبل. لم يكن مهاتير سياسيا فقط بل كان أيضا مفكراً له كتبه ومؤلفاته، وصاحب رؤية لما ينبغي أن تكون عليه بلاده. وتدل خطة ماليزيا 2020 التي يعتبر مهاتير العقل المدبر لها، والتي تقوم على فكرة أن تصبح ماليزيا بحلول هذا التاريخ دولة مكتملة البنيان الصناعي أكبر دليل على ما يتحلى به من فكر اقتصادي رصين، وهي خطة تبدو شديدة الطموح، ولكن تحقيق ماليزيا نمواً بنسبة 6.7% في الفترة من 1970 إلى 1990، وبنسبة 7.1% في الفترة من 1991 إلى 2000، يدلل على قدرتها بهذه الرؤية الاقتصادية من تحقيق هذا الهدف إذا كررت نفس المشهد الاقتصادي.


القيم الشرقية الايجابية في الفكر الاقتصادي لمهاتير

إذا رجعنا للوراء في آخر تقرير للموازنة العامة قبل تقاعده، نلاحظ إدراك مهاتير لأهمية اعتناق قيم ايجابية لتحقيق التقدم المطلوب، وقد أكد أنه اعتنق منذ 22 عاما سياسة الاتجاه إلى الشرق، ويقصد بذلك اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا، وهي قيم مؤسسة على الانضباط الشديد والإخلاص التام لجهة العمل، والحرص على اختيار المديرين ليكونوا قدوة لموظفيهم.، وربما يبدو هذا المفهوم مخالفا لمفهوم البحث عن قيم التطور في الغرب عموما والولايات المتحدة بشكل خاص، لكن مهاتير كان دائماً يرى أن ثقافة العمل في اليابان على وجه الخصوص هي الأنسب لثقافة وتكوين بلاده.

رأيه في العولمة
شدد مهاتير دائما على رفضه لفكر العولمة حسبما تفسرها وتطرحها الولايات المتحدة، ذلك لأنها ستؤدي (حسب رأيه) إلى فتح أسواق الدول النامية أمام الشركات الأمريكية العملاقة التي لا تقوى مؤسسات الدول النامية على منافستها، وينتهي الأمر باستمرار احتكار الشركات الكبرى. ويرى مهاتير انه لا يجب القبول بأي أفكار أو سياسات لمجرد أنها صادرة من الغرب، وطبق أفكاره عمليا عندما رفض تطبيق السياسات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي أثناء أزمة الأسواق الآسيوية التي طالت دول منطقة جنوب آسيا بما فيها ماليزيا. فقد تعرضت العملة الماليزية الرينجيت، إلى مضاربات واسعة بهدف تخفيض قيمتها، وظهرت عمليات تحويل نقدي واسعة إلى خارج ماليزيا، وبدا أن النجاح الذي حققته على وشك التحول إلى فشل، وبعد بحث مستفيض للموضوع، اصدر مهاتير مجموعة قرارات تهدف إلى فرض قيود على التحويلات النقدية لا سيما الحسابات المملوكة لغير المقيمين، وفرض أسعار صرف محددة لبعض المعاملات، وهذا يخالف سياسة تعويم العملة Currency fluctuation التي يصر عليها صندوق النقد الدولي دائما. ورغم ضغوط الصندوق، أصر مهاتير على سياسته التي أثبتت الأيام أنها كانت ناجحة حتى أن دولا كثيرة تدرسها وتحاول تكرارها. لكن وسائل الإعلام العالمية، حسبما قال مهاتير، ترفض الاعتراف بالنجاح الذي حققته ماليزيا في مواجهة الأزمة المالية الآسيوية، ولا تظهره بالشكل الكافي. من المسائل المثيرة للانتباه في التجربة الماليزية هي قدرة المجتمع الماليزي على تجنب الصراعات والخلافات بين المجموعات العرقية الثلاثة المكونة للسكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة، وهي المالايو الذين يمثلون 58% من السكان، والصينيون الذين تبلغ نسبتهم 24%، والهنود البالغ نسبته 7%.. ويلاحظ أنه على اثر الصدامات العرقية التي وقعت عام 1969،أدرك الماليزيون أن استمرارها يعني خسارة الجميع، ومن ثم استطاع قادة المجموعات العرقية إيقاف هذه الصدامات بحيث لم تتكرر إلى يومنا هذا، وبالتالي تأكد عملياً أن السلم الأهلي هو العنصر المهم للنهضة التنموية، والتي سيستفيد منها كل المجتمع بطرق مباشرة وغير مباشرة، وأن ثقافة السلم الأهلي هي واجب جميع المواطنين تجاه بلدهم حتى يصلوا للتقدم والتنمية المنشودين.

للإيكونومست كلمة
في تقرير أصدرته مجلة "الايكونومسيت" عن التجربة الاقتصادية الماليزية في عهد مهاتير محمد، قال التقرير، أنه على الرغم من النجاح الاقتصادي الذي تحقق، إلا أن تركيز كل السلطات في يد مهاتير لم يسمح بتطور التجربة الديمقراطية في ماليزيا، كما لم يسمح بظهور أي زعيم قوي، وبدأ الأمر وكأن مهاتير لن يتقاعد أبدا. ولعل هذا التحامل من مجلة "الايكونومست" يعود لأراء مهاتير الجريئة في نقد الغرب بشكل عام والولايات المتحدة واستراليا بشكل خاص، و لتصريحاته الشهيرة عن اليهود التي قال فيها إن اليهود يحكمون العالم بالوكالة ويرسلون غيرهم للموت نيابة عنهم. ويذهب تقرير "الايكونوميست" في التحليل ويقارن بين تجربة مهاتير في ماليزيا وتجربة رئيس وزراء سنغافورة السابق "لي كون يو" الذي حول جزيرته الصغيرة إلى عملاق اقتصادي وصناعي، واستمر في الهيمنة على الحياة السياسية في بلاده بعد تقاعده. ونظرا لان مهاتير عبر دائما عن إعجابه بتجربة لي كون فمن الممكن أن يسلك مسلكه ويستمر في ممارسة دور في الحياة السياسية لبلاده.

أسس عملية في فكره الاقتصادي

ركز مهاتير في فكره الاقتصادي للتقدم بماليزيا على ركائز أساسية في مقدمتها الوحدة بين فئات الشعب فماليزيا بلد متعدد الأعراق ينقسم سكانها إلى السكان الأصليين وهم المالايا ويمثلون أكثر من نصف سكان ماليزيا، و من الصينيين والهنود وأقليات أخرى، و الديانة الرئيسية هي الإسلام بالإضافة للديانات الأخرى مثل البوذية والهندوسية "ولقد نص الدستور الماليزي على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام مع ضمان الحقوق الدينية للأقليات الدينية الأخرى"، لذلك لزم التوحد بين جميع الأطراف لتسير البلاد كلها من أجل الاتجاه نحو هدف واحد والعمل وفق منظومة تتكاتف فيها جميع الفئات، أما الركيزة الثانية في خطة التنمية فهي البحث عن دولة تقوم بالدعم لماليزيا في تجربتها نحو التقدم والتنمية فاختارت ماليزيا اليابان التي أصبحت أكبر حلفاءها في مشروعها نحو التنمية والتقدم، وثالث الركائز كانت تتمثل في العمل على جذب الاستثمار إلى ماليزيا وتوجيه الأنظار إليها، كما قام مهاتيربإدخال التكنولوجيا الحديثة والتدريب عليها حتى يتم الانتقال بالبلاد سريعاً إلى مرحلة أخرى أكثر تقدماً وأيضاً لتحقيق إمكانيات التواصل مع العالم الخارجي.

فكر مهاتير التنموي
تبنى مهاتير محمد المنهج التنموي ودفع بالمالايا نحو النهضة التنموية من خلال توفير مستويات عالية من التعليم والتكنولوجيا، كما دفع بهم لتعلم اللغة الإنجليزية، وقام بإرسال البعثات التعليمية للخارج وتواصل مع الجامعات الأجنبية، حاول بكل جهده في إطار سياسته الاقتصادية بتجهيز المواطن الماليزي بكافة الوسائل العلمية والتكنولوجية لكي يستطيع الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي والتعرف على الثقافات المختلفة، ثم بعد ذلك الدفع به إلى سوق العمل من أجل زيادة الإنتاج وخفض مستوى البطالة بين أفراد الشعب، حيث كان يهدف لتفعيل الجزء الأكبر من المجتمع الأمر الذي يعود على ارتفاع مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد في نهاية الأمر، واستطاع أن يحول ماليزيا من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط والقصدير وغيرها إلى دولة صناعية متقدمة، حيث شارك القطاع الصناعي والخدمي في اقتصادها بنسبة 90 %، وأصبحت معظم السيارات التي توجد بها صناعة ماليزية خالصة، وزاد نصيب دخل الفرد زيادة ملحوظة فأصبحت واحدة من أنجح الدول الصناعية في جنوب آسيا، كما أدى هذا التحول إلى تقوية المركز المالي للدولة ككل.

أصبحت التجربة الاقتصادية الماليزية في النهضة الصناعية التي قامت بها تحت فكر مهاتير محمد مثالاً تحتذي به الدول، ومادة للدراسة من قبل الاقتصاديين. تعرض الزعيم الماليزي مهاتير محمد للعديد من الانتقادات على مدار حياته السياسية حيث وصفه البعض بالديكتاتور ولكن جاء قرار استقالته وهو في قمة مجده لينسف هذا المعتقد حيث لم يستأثر بالحكم على الرغم من النجاح الساحق الذي حققه أثناء حكمه للبلاد، وظل مثيراً للجدل من قبل الغرب نظراً لتصريحاته اللاذعة الشديدة اللهجة دائماً. وكانت أكثر هذه التصريحات جرأة وإثارة لغضب الغرب تلك التي كانت في القمة الإسلامية التي عقدت في ماليزيا حيث انتقد اليهود بشدة في كلمته التي ألقاها حيث أشار لسيطرتهم على القرار الدولي وقيامهم بإشعال نيران الحرب ضد المسلمين.

إثراء أدبي

ألف مهاتير عدداً من الكتب منها "صوت ماليزيا"، و"صوت آسيا زعيمان أسيويان يناقشان مسائل القرن المقبل" وقد قام بالمشاركة في هذا الكتاب السياسي الياباني شينتارو اشيهار. وقد تناول العديد من المؤلفين والكُتاب حياة الزعيم الماليزي مهاتير محمد والتجربة الماليزية سواء في مقالاتهم أو كتبهم منها كتاب "مهاتير محمد.. عاقل في زمن الجنون" الذي يستعرض التجربة الماليزية والظروف التي مرت بها وكيفية تغلب ماليزيا على الأزمات التي واجهتها، كما ركز الكتاب على شخصية مهاتير محمد وفلسفته ورؤيته الاقتصادية والسياسية والإسلامية.

وضع الدكتور مهاتير محمد ماليزيا في مصاف الدول من خلال نهضة شاملة لم تُعزف له خلالها موسيقى ولم يرقص طرباً لما قدم ... فاستحق احترام أمته والعالم ودعاء المسلمين له بالقبول.

*مترجم بمملكة البحرين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.