طريقٌ وعرٌ عبره المؤتمر العام الثامن للحركة الإسلامية في الخرطوم.. طريقٌ حفته مخاوف جملة أشعلها الإسلاميون أنفسهم في وقت سابق على خلفية جملة من المذكرات التي حملت مطالب إصلاحية.. خاف كثيرون أن تعبر عن نفسها بتطرف في معرض المؤتمر.. التحديات لم تقف عند حدود تململات الإسلاميين الشباب داخلياً، وأخذت بُعداً خارجياً يمتد ل (تشكيكات) الإسلاميين في معسكر (الشيخ) الترابي في الشعبي، حيال شرعية تمثيل المؤتمر للحركة الإسلامية، في سياق صراع للنفي ابتدره بروفيسور إبراهيم أحمد عمر رئيس اللجنة التحضيرية العليا حينما نفى أن يكون منتسبو الجناح الآخر (حركة إسلامية). التخوفات انطلقت تحاصر المؤتمر تحسباً للأرضية التاريخية التي يتمتع بها د. الترابي إزاء إسلاميي الحركات الأخرى اقليمياً ودولياً، ما يقود لخلق عزلة تجاه المؤتمر الثامن، وهو ما كسره واقع الحضور الكثيف، بيد أن التخوفات لازمت الحضور الخارجي للإسلاميين من مبادرة مفاجئة تسعى للملمة الأطراف الأخرى.. الأمر الذي استبعدته سناء حمد العوض رئيسة اللجنة الإعلامية نافيةً علمها بوجود مبادرة حول وحدة الإسلاميين ولم يتحدث المؤتمر عن جسم واحد للحركة. بينما أكد بروفيسور إبراهيم أحمد عمر عدم وجود أية مبادرات في هذا الشأن، لدى مخاطبته مؤتمراً صحفياً قبيل اليوم الأول للمؤتمر. أبرز التحديات طبقاً للمراقبين، لازمت المؤتمر نفسه، في ذات توقيت الجلسات المغلقة بغرض إجازة الدستور، وما شَابته من تشنجات وشَد وجَذب.. بالإضافة للموقف من ترشح الأمين العام عبر المؤتمر في مقابل ترشحه عبر مجلس الشورى.. لينحسم الأمر دون جراحات لصالح الخيار الأخير. التحدي الأخير كشفت عنه سناء حمد العوض عن التئام مجلس الشورى للحركة الإسلامية السودانية لانتخاب رئيسه ونائبه والمقرر ونائبه والأمين العام للحركة واستكمال عضوية المجلس باختيار (60) عضواً ليصبح (400) عضو.. قائمة الاستكمال التي وصفها حسن عثمان رزق رئيس اللجنة الفنية ب (الولادة المتعثرة).. ورجّح مراقبون أنها ستأتي بأصحاب العيار الثقيل من قيادات الإسلاميين الذين تمّ استبعادهم من ترشحات الكليات والقطاعات الأخرى ك د. نافع علي نافع وعلي عثمان محمد طه ود. الجاز وآخرين كثيرين. سناء سعت عشية انقضاء محفل الإسلاميين أمس الاول لملامسة استفهامات النهايات.. وعلّقت على ترشح الأمين العام وعضوية مجلس الشورى ورئيسه ونوابه ومقرره، بأن كل من تم اختياره لمجلس الشورى من الأخيار ويصلح أن يكون أميناً عاماً للحركة، واستدركت: (لكن يبقى الفيصل في العملية هو مجلس الشورى، مُوَضِّحَةً أن الجسم المقترح للقيادة العليا لا يلغي الأمانة العامة ومجلس الشورى بل سيكون متوجهاً لتنفيذ السياسات العليا). تحليلات ذهبت إلى أن التحدي الحقيقي والمخاوف الجسيمة جاءت في أعقاب تصوير الفعالية الإسلامية بالخرطوم على أنها ملتقى دولي للحركة الإسلامية العالمية، بهدف تكوين جسم تنظيمى ووضع خطة للتغيير فى الكثير من الدول العربية على غرار ما تم في تونس وليبيا ومصر.. الامر الذي رفضه البيان الختامي للمؤتمر مركزاً على مبدأ عدم التدخل في شؤون الآخرين أو أن ما تم محور موجه لأي كيان آخر. الاتهامات السابقة وجدت حظها من الإعراب.. ببروز د. الطيب ابراهيم محمد خير رئيس المؤتمر، وبلا مقدمات ليبرر دعوة القيادات الإسلامية، لحضور المؤتمر الثامن للحركة السودانية، وتوضيحه أن المؤتمر لا يستهدف أيّة جهة خارجية، ولا يهدف للتدخل في شؤون الدول الأخرى في أول رد فعل على تقارير إعلامية شَكّكَت في تجمع الإسلاميين بالخرطوم. الخطورة لم تخفت بعد، إلا وكان المؤتمرون على موعد مع تحدٍ آخر، القى به علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية الأمين العام السابق للحركة الإسلامية لدى مخاطبته الجلسة الختامية، مُؤكداً عزم الحركة الإسلامية السودانية على تأسيس نظام عالمي جَديد يتجاوز الأنظمة الموجودة لما ارتبط بها من تشوهات مُحدداً الأممالمتحدة ومجلس الأمن. المتصيدون للإسلاميين، فسّروا الأمر بالمُؤامرة الدولية، وحَذّروا من المؤتمر باعتباره خطة للإطاحة بحكومات دول خليجية عربية، وأكدوا ضرورة الاستعداد لمواجهة أي خطر من المتعاطفين مع الإخوان المسلمين وكذلك من سوريا وإيران. ثمة اتفاق بين المحللين على أن الحركات الإسلامية نشطت في الآونة الأخيرة في اتجاه تدعيم تواجدها في الأجهزة التشريعية والتنفيذية، مُستمدةً من صعود الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا الى السلطة قوة دفع للإعلان بقوة عن وجودها في الساحة ودورها الفاعل في الحياة السياسية والاجتماعية لأي بلد كَانَ.. فيما يقلل آخرون من تأثير الحركات وقدرتها على تنفيذ تهديداتها بصياغة تغييرات جذرية في المنطقة في أعقاب مؤتمر الخرطوم الأخير، ويذهبون الى أن التصعيد في خطاب الحركة الإسلامية وما لازمه من تهديدات الغرض منه (مَرْكَزَة) الحركة الإسلامية السودانية في أذهان ومخيلة الغرب، ما يرسل رسالة بخطورتها أو قدرتها على استنزاف الغرب في سياق الصراع الحضاري وما يرتبط به من معارك جانبية على أراضي الدول العربية والإسلامية، ما يفتح باب الاتصال بها أي الحركة السودانية، ويجعلها في محل فرض شروطها، بالتالي فك الاختناق والحصار عن الحزب الحاكم مؤقتاً. لكن متابعين يؤكدون أن تفاؤل الإسلاميين (ليس في محله) بالأخص في ظل غياب نقلة نوعية معيشية وسياسية واجتماعية واقتصادية في بلدان الربيع العربي سواء مصر أو تونس. غَض النظر عن سلبية التقييمات أو إيجابيتها، إلا ان الكثيرين ذهبوا الى ان الإسلاميين نجحوا في خلق حالة من الذعر في المحيطين الإقليمي والدولي بعقد مؤتمرهم في هذا التوقيت، لجهة التخوف من سيطرتهم على مقاليد الحكم، الأمر الذي دفع وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، لزيارة الجزائر للتنيسق لمشاريع من بينها حشد الدعم لصالح التدخل الأجنبي في شمالي مالي، من جهة والتصدي للمد الحركي الإسلامي من قبالة الجزائر، باعتبارها من آخر المعاقل التي لم تعصف بها رياح التغيير.. ويبدو أنّ المؤكّد في سياق تجربة المؤتمر الأخير، أن ثمة موجهات رئاسية ضبطت أنشطة الحركة نوعاً ما وركزتها في الجانب الدعوي، فوجّه الرئيس البشير لدى مُخاطبته الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، الحركة الإسلامية والجماعات الدينية إلى تقوية نسيج المجتمع السوداني بتعميق قيم الدين ومواجهة الصراع الهدام الساعي لزرع القبلية والجهوية، وتأهيل الدعاة والأئمة، الأمر الذي فسّره مراقبون على ان الرئيس حصر دور الحركة في الدعوة، رغم مطالبته للحركة بتكثيف التعاون بين السودان ودول المنطقة وشعوبها في سياق من الدبلوماسية الشعبية. بعيداً عن اتهامات العرب وريبة المجتمع الدولي إزاء مؤتمرات الإسلاميين، فإن إسلاميين معارضين يرون أن المخاوف السوداء من أنشطة الإسلاميين هي بالأصل صنيعة إعلامية ووهمية من المجتمع الدولي وحكوماته الحليفة في المنطقة التي تكرس لأي تفاعل جماهيري مع الحركات الإسلامية على أنه تخطيط لتغيير تلك الأنظمة أو تهديد أمن إسرائيل بالرغم من أنها كرغبة تظل تراود أعضاء حركاتها تارةً وأخرى، حال تركوا دون مشكلات ترغمهم على الإنغلاق على أنفسهم، وتهديدات داخلية تشغلهم وتلهيهم بدولهم، وهي رغبة تظل محكومة أيضاً بمدى القبول الجماهيري وقواعد اللعبة الديمقراطية لا الفرض عبر البندقية ولعبة الانقلابات.