بالرغم من توافر المواشي قبيل عيد الأضحى المبارك وعدم التصدير للمملكة العربية السعودية في موسم الحج كما كان متوقعاً كل عام ... رغم ذلك ما زالت أسعار اللحوم طائرة ... كيلو الضان بلغ 55 جنيها و(العجالي الصافي) 50 جنيها ... و غير الصافي ب 45 جنيها . أسعار لم تصلها اللحوم منذ أن خلق هذا السودان ... وكأن هناك جهات تريد أن تصل الروح الحلقوم كما يقولون ... أي تريد لهذا الشعب الخروج احتجاجاً على هذه الأسعار الخرافية ، وهي تعلم أنه شعب (مجنون لحوم) مهما كان دخل الأسرة السودانية فهي يجب أن تأكل لحمة . حسناً فعل السيد رئيس الجمهورية بسحب قرار المالية برفع سعر السكر ... ولو لم يسارع الرئيس بسحب القرار لحدثت كارثة حقيقية . لدي صديق سافر إلى خارج السودان للعلاج وغاب هناك لمدة 11 شهراً ... وعندما وصل قبل أيام خابرني صباح اليوم الثاني ... ماذا حدث للسودان ؟ وما هي حقيقة الأسعار الخرافية في اللحوم وفي الأدوية وفي الزيوت وفي كل شيء ... لا أدري كيف يعيش هذا الشعب العظيم ... ولا احد منشغل بما يحدث في السوق . قلت له صحيح الأسعار (طارت السما ) ... لكن المسؤولية الاولى على التجار والسماسرة ، بجانب إهمال الحكومة جانب الرقابة ... ولأن الرقابة لا تفرض أسعاراً بعينها ، خاصة أن السودان يعمل بسياسة السوق الحر ... أي أن يبيع كل تاجر سلعته بما يراه مناسباً ، ولا أحد يسأله ... كما قال عادل إمام في إحدى مسرحياته (ده اسمو كلام يا عبد المعطي) . ومحاربة السلع بالمقاطعة هو أهم سلاح لإجبار التجار على خفض الأسعار ... وقد بذلت حماية المستهلك جهوداً جبارة ولكن حوربت حرباً شعواء ... وكانت الضربة القاضية في أسعار خراف الأضاحي ... حيث فشلت كل جهودها في جعل خروف الأضحية في متناول أيدي المواطنين . ومعروف أن التجار يملكون اسلحة قوية لمحاربة من يقف في طريقهم ... وهم يسقطون الحكومات ناهيك عن مجموعة حماية المستهلك التي ظل أمينها العام د. ياسر ميرغني يتحدث حتى بح صوته إلى أن جاءته الضربة القاضية من وزارة حماية المستهلك ... كما ذكر ذلك للإذاعة والصحف في وقتها . والحل الوحيد هو أن يتحول كل جماهير الشعب السوداني إلى كتلة واحدة متماسكة لمحاربة الغلاء بكل أنواعه ومحاربة التجار والسماسرة .... لأن الدولة لا تملك قانوناً ولا حيلة لمحاربة سياسة السوق الحر ... وهي في نظر كثير من الاقتصاديين السبب المباشر في جعل التجار يبيعون كما يريدون بل ويخزنون السلع المهمة في لحظات انخفاض أسعارها ويخرجونها بأسعار أعلى فيما بعد . كما أن القانون يحميهم ... إذ ليس هناك تسعيرة محددة ... يبيع التجار سلعهم كما يروق لهم ، وبذلك يحققون أرباحاً كبيرة ... وهذه هي الثغرة الكبيرة في سياسة السوق الحر . المطلوب إيجاد آلية قوية وفعالة لضبط الأسواق ... ومنع السماسرة من دخولها لأنهم سبب الغلاء كله ... بمعنى انهم ، سبب كل هذه الفوضى التي سادت الأسعار في الأسواق لأن السلعة عندما تصل تاجر القطاعي تكون قد مرت على عدد من الوسطاء ... وكل وسيط يضع نسبة على السعر ، لذلك لا يملك تاجر القطاعي إلا أن يرفع الأسعار (ولا أحد يسأله) . قد تكونت غرف مختلفة من الولاية ... لكنها فشلت ، لأن مافيا السوق أقوى من كل الغرف وأقوى من كل الآليات ... المهم لابد من دراسة التجارب السابقة والخروج بنموذج جديد يكون أكثر فعالية وأكثر نجاحاً . والله الموفق وهو المستعان .