كثر الحديث في الأيام الفائتة عن المحاولة التخريبية، وما ارتبط بها من قيادات وشخصيات وضِعت رهن الإعتقال في مقدمتها الفريق أول صلاح قوش المدير العام السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الذي كان اعتقاله بمثابة مفاجأة من العيار الثقيل، كونه أحد حماة الإنقاذ لما يزيد عن العشرين عاماً على الأقل. ومنذ يوم اعتقاله ، وحتى الآن تتقاسم مجالس المدينة وصحف الخرطوم الكثير من الموضوعات عن صلاح قوش، وتأتي في كل يوم بجديد دون أن يكون هنالك جديد يستحق الذكر في الواقع. حيث يحاول كثيرون تسليط أضواءٍ كاشفة على مسيرة رجل المخابرات المثير للجدل، ومحاولة معرفة ما يختبىء من حيثيات وراء ارتباطه بمحاولة تخريبية فطيرة السبك. غير أن الأستاذ حسن البطري مدير تحرير الزميلة الصحافة كان أفضل من سلط ضوءاً ساطعاً على صلاح قوش عندما أجرى معه حواراً على طريقته في رمضان الماضي، طريقة السهل الممتنع بالطبع. ففي ذلك الحوار المختلف حكى قوش عن تفاصيل وأشياء خاصة عن حياته ما كانت لتخرج لولا مهارة البطري التي جعلته يحول مسار الحوار بذكاء إلى ما يشبه الونسة، ليتداعى قوش بعد ذلك، ويتحدث بتلقائية غير مسبوقة عن مشاركته في مظاهرات، خاصة على أيام ثورة شعبان، وسرقة بونبان من الشرطة، واعتقال أحد المتعاونيين مع جهاز الأمن، وتدخينه للسجائر منذ الثانوي العام ، ولعبه للكوتشينة ، وحبه الخاص للعب (الحريق)، إلى جانب إجادته للعب الكونكان والوست والهارت. إستوقفني في ذلك الحوار، قوله (دخلت إلى الحركة الإسلامية رجالة)، وسرده لقصة الرجالة تلك على حد وصفه لها: (كنا ساكنين في ديم كوريا، وكان عندي صديق اسمه (سيف الدين ) من ناس الاتجاه الإسلامي بيقرا معاي في مدرسة البحر الأحمر الثانوية، وكان عنده جريدة حائطية بيعلقها في المدرسة، مرة علقها، فتصدى له الزميل عبد اللطيف من الجبهة الديمقراطية، و(شرطها)، أنا ما كنت بقرا هذه الجريدة ولا حاجة، لكن الموقف استفزاني، فدخلت في (شكلة) مع عبد اللطيف. نحن كنا (خارجيين)، لكننا كنا نأتي إلى الداخلية مساء، وأنا كنت رئيس جمعية الموسيقى والمسرح، في المساء وأنا راجع للمدرسة، كنت متحسبا ومستعدا لشكلة جديدة، وبالفعل حصل نقاش، في النقاش قالوا لي أنت ذاتك دخلك إيه ؟ ديل ناس الاتجاه الإسلامي، قلت ليهم: من الليلة أنا معاهم). كشف قوش في ذلك الحوار الذي أُجرى معه قبل أربعة أشهر بالضبط، أنه أول مرة إلتقى فيها بالرئيس البشير كانت بعد الإنقاذ، وإعترف أن الإنقاذ تغيرت كثيراً في السنوات الأخيرة ، وقال إنه ينظر إلى الربيع العربي بإعتباره غضب شعوب مقهورة، ويعتبر الحوار مع القوى السياسية في الداخل مهماً لتعزيز الإستقرار السياسي، وأشار إلى أن دولة الجنوب خرجت من رحم السودان، فهي وليد شرعي، مطلوب مننا أبوة تجاهها، ومطلوب منها براً بالوالدين. وهذا ما لم يحصل من الجانبين. وعزا دخوله للجهاز للالتزام التنظيمي، لافتاً إلى أنه كان في الجامعة مسؤولا عن الأمن والمعلومات ، وعمل بعد ذلك في الأجهزة الخاصة للحزب. وأوضح أنه كان متفرغاً سياسياً لذلك لم يعمل بعد التخرج. وعن علاقته مع صديقه اللواء حسب الله عمر، قال (أنا وحسب الله بنختلف في أشياء كثيرة.. وباختصار ممكن تقول حسب الله منظراتي، وأنا براغماتي بس بنكمل بعض). وكشف أنه كان يحلم منذ الصغر أن يصبح مهندسا مدنيا ، ولذلك لم يكن يعني له شيئاً أن يرى الضباط وهم ماشين، أو حتى عندما يسمع المارشات العسكرية. في آخر ذلك الحوار الذي يجب قراءة إفاداته المختلفة في سياقها الزماني الذي قيلت فيه، سُئل قوش عما إذا كان يحلم بالمستقبل ؟ فكانت إجابته (شديد)، بينما كانت إجاباته (نعم) على سؤال ما إذا كان يعتقد بأن بكرة أحلى، وعن ما إذا كان قوش يسامح على الخطأ، قال أنه يسامح، ولكن ذلك يتوقف على نوع الغلط - على حد قوله.