هذه قصة شخص اكتوى بنار المشافي الخاصة الجديدة التي ظهرت في الخرطوم. تلك الصروح الجميلة التي استبشرنا بها، ظانين أن باب الأمل ينفتح أمامنا لتوطين العلاج بالداخل أو كما يقولون. وأترك القصة يحكيها صاحبها (والكلام سمح في خشم سيده)، يقول: رزقت بطفل صغير احتاج لوضعه في حاضنة لبعض الوقت. تكلفة العملية القيصرية عشرة ملايين، وشيل دق ... نزلوا إلى ستة! وتكلفة الحاضنة ليوم واحد (مليون ونصف)! والله هذا استغلال ما بعده استغلال واستهبال ما بعده استهبال. دخلت النت باحثاً عن أسعار هذه الحاضنات، فوجدت أسعارها لدى شركات تعمل في هذا الحقل منذ خمسين عاماً تتراوح بين خمسمائة دولار وثلاثة آلاف دولار للواحدة! ولا يعقل في السودان أن يستجلب مستشفى ( ...) شوف الاسم!! حيث وضعت الزوجة أغلى الأنواع بالطبع ، ولا تبلغ تكلفة التشغيل سوى بضعة دولارات ، فكيف يكون يوم المولود بها بهذا المبلغ الخرافى؟! هذه والله سرقة و(تشليح) لبسطاء الناس لا سابقة لها ودولتنا المحروسة عافاها المعافي مشغولة بلا شئ ! ولعلك تتساءل حول الدواعي التي حدت إلى ولوج مثل هذه المشافي الخاصة وأنت محق! فالزوجة كانت قد وضعت منذ عامين بمستشفى ( ...)، (وللعناية الفائقة) هناك أسفرت الولادة عن ناسور بولي واضطررنا بعد أشهر من الولادة إلى القيام إلى مصر في رحلتين بينها أربعة أشهر ، وهناك أجريت لها عملية في مشفى خاص كلفت ملايين دون الأدوية ، بالإضافة طبعا إلى تكاليف الرحلتين والسكن ... الخ ! ولذا لجأت هذه المرة إلى (سوق الحرامية ) مباشرة تجنباً لسرقات أكبر جراء ما قد يترتب على خطأ آخر. وأزيدك يا مولاي في قصيدة الكفر بيتاً ! أعنى كفر المشافي الخاصة فالاكتشاف اليوم أن المليون ونصف المليون المطلوبة للحاضنة لا تشمل جهاز الأكسجين الذي تبلغ تكلفته مليوناً ونصفاً ! وبالطبع إضافة لغرفة النفساء (350 ألفاً للغرفة فقط)، والأدوية ومحاليل للوليد ، وأخشى أن يتبين لنا في كل آن من ضروب الاحتيال مالا قبل لأحد بتصديقه، وإن كان عضواً مساهماً بين هذه المافيات! أحكي لك هذا وظني أنك لو حملت (عكازك) وتناولت هذا الشأن في مقال لك فهذه معلومات موثقة بفواتير وفوقها شهود من (الأحياء) . ومعذرة (للفضفضة) بهذا الشأن المحبط والوجه الكريه. (انتهت قصة صاحبنا). ويبدو أن (الحال من بعضه) في المستشفيات الخاصة أينما ذهبنا، نسأل الله العافية. قبل سنتين جاءني أحد الإخوة يعمل سباكا يستنجد بي إذ كنت في الجالية السودانية بمنطقة مكةالمكرمة، وعرض عليّ مشكلته أن المخاض داهم زوجته حين كان يتمشى معها نزولاً على نصح الطبيب بممارسة المشي في الأيام الأخيرة للحمل. يقول إنه ذهب بها إلى أول مستشفى قابلهم، واتفق أن الولد احتاج أن يكون في الحاضنة بعد أن خرجت الوالدة بالسلامة. ولما جاء يوم خروج الطفل فوجئ بفاتورة مقدارها (45) ألف ريال. طبعاً عجز صاحبنا عن دفع المبلغ، وقالوا له انتظار أي يوم إضافي يزيد التكلفة ألف ريال لكل يوم تأخير. حاولت إقناع المستشفى أن يراعوا الظرف لكنهم رفضوا، فلجأت إلى صاحب المستشفى الذي جاملنا بمذكرة صغيرة إلى مدير المستشفى لم تغن شيئاً. لما خاب مسعاي معهم قلت لصاحبي: يا أخي ليس أمامك إلا أن تتصل بإدارة المستشفى وتقول لهم إنك مضطر للأسف بترك الولد في المستشفى ولا تملك حلاً سواه! نرجع ونقول إن التوسع في التأمين الطبي هو الحل، ولست مواكباً لنتائج شمول التأمين للعاملين ولغيرهم، وبدأنا نشاهد بعض الإعلانات في التلفزيون لشركات خاصة في التأمين الصحي. تاني (خاصة) ... أعوذ بالله.