قبل أنْ ينال النظام المالي بالسودان شرف إنضمام الصرّاف الآلي إليه، عرفته أنظمة ماليّة كثيرة في دولٍ (عََالَمْثَالثيّة)... دخلَ الصرّاف الآلي إلى السودان بعد دخول التلفونات الثابتة إلى الشوارع، لذلك خَشِىَ عليه المشفقون من ذات مصير تلك التلفونات... كان الخوف على الصرّاف الآلي وليس منه! مرّت الأيام والخيال أحلام وحلّ الصرّاف الآلي وكان مستخدموه في بداياته من العُصبة أولى القوّة الاقتصاديّة مثل بدايات (الدِش) والموبايل، وظَلّ على هذه الحالة حتى بدأت رقعة استخدامه في التوسّع الأفقي ... وعندما فرضت الدولة السودانيّة على العاملين فيها والعاملين عليها استخدام الصرّاف الآلي لصرف مرتباتهم تحوّل الصرّاف الآلي إلى أداة شعبيّة يحمل بطاقته الضعفاء والمديونون والمعاشيّون! على المستوى الشخصي، لست من الرعيل الأوّل لمستخدمي الصرّاف الآلي كما انّني لست من الرعيل الأخير، فتاريخ حملي لبطاقة الصرّاف الآلي كان بعد (العايشين) وقبل المعاشيّين! مساء الخميس وتحديداً في الوقت الذي غنّت له أم كلثوم وأحمد رامي (شمس الأصيل)، وغنّى له عبد الرحمن الريّح وحسن عطيّة (يا ماري عند الأصيل) كنت ماراً بشارع افريقيا، ولأنّ الخميس صفقة ورقيص فقد راودتني نفسي بالسيولة النقديّة، فاستجبت لمراودتها وتوّقّفت جوار صرّاف آلي برئاسة بنك محترم... دخلت إلى غرفة الصرّاف بالبطاقة الذكيّة وألقيت عليه التحيّة الالكترونية... طلبت منه مبلغاً من أرقام أربعة، وبعد إنتظار غير مألوف كتب لي على شاشته بالخط الأحمر بأنّه يأسف فالمعاملة لن تتم والرجاء أخذ بطاقتي، فطاوعت أمره! ذهبت بعدها لأقرب صرّاف آلي يليه، فراجعت حسابي على الشاشة فوجدت الصرّاف الآلي السابق سَحَبَ مبلغي الذي طلبته وابتلعه في بطنه ووضعه في جيبه ثُمّ خصمه منّي! أناْ ابن طبقة خرجت ولم تعد... لست حوتاً ولا سارديناً، فأنا سمكة متوسطة بينهما... أنا ابن طبقة كانت تحكم السودان ونقاباته وأنديته وحياته، اسم الشُهرة لهذه الطبقة هو المتوسطة... خُذُوا حِذركم وحافظوا على ممتلكاتكم السائلة من النشّالين، فالخوف لم يعد من النشّالين اليدويّين فقط، فقد ظَهَرَ نشّالٌ آلي ... لم يعد الخوف على الصرّاف الآلي، الآن الخوف منه!!