استأنست مثل غيري من المشاهدين ببرامج اليوبيل الذهبي للتلفزيون القومي.. هذا التاريخ الوضئ من التوثيق الواعي للحياة السودانية يضع التلفزيون في مرتبة الشرف الوطني وهو يتحوّل إلى ذاكرة رسمية وشعبية للتطورات في السودان خلال خمسين عاماً. يستحق (أبونا) التلفزيون تحية في هذا اليوم وهو يحتفل بختام برامج اليوبيل الذهبي.. فقد شارك هذا الجهاز الأسر السودانية في تربية أبنائها على نسق قويم قفز بقيمة أن تكون سُودانياً مُخلصاً في المقام الأول ثم مُثقفاً ومُتعلماً ومواكباً لما حولك في الداخل والخارج. لن ننسى الإضافات التي أجزلتها لنا الشاشة البلورية منذ أن كنا (أطفالاً) والى يومنا هذا.. ظل التلفزيون هادياً ومعلماً ومربياً يهدي الناس سواء السبيل.. وعلى الرغم من التراجع الذي حدث في أداء التلفزيون بفعل ظروف كثيرة نعلمها جميعاً إلا أن هذا الجهاز احتفظ بقيمته النوعية كذاكرة وطنية أولاً وساحة معلوماتية ظلّت ترفد الحياة السودانية بعطاء جليل. تحسرت جداً والتلفزيون ينتظر موسمه الذهبي حتى يفرج عن كل هذا المخزون من المواد القيِّمة والمفيدة التي شكلت وجدان السودانيين.. أعجبني جداً مع هوجة (طيور الجنة) البرامج التي بثها التلفزيون وذكّرتنا ب (ماما إيناس) التي نجحت بعد ذلك في المنوعات إلا أن العطاء في مجال الأطفال مازال تائهاً بين البرامج النمطية والتجريب في الشخصيات التي لا يكاد يحفظها أطفالنا مثلما كنا نفعل (زمان). طربت جداً مثل ملايين السودانيين لصوت عوض إبراهيم عوض وهو يخرج على فضائنا مثقفاً ومجوّداً في أمسية جمعته إلى جانب المذيعة المتميزة والمتطورة أماني عبد الرحمن السيد في نشرة العاشرة.. تحسّرت على أن تكون مثل هذه الكفاءات بيننا دون أن نوظِّفها فى النشرات الإخبارية أو نستفيد من عطائها في تدريب المذيعين. كثير ممن التقيتهم أشادوا بصوت عوض الطروب ونبراته الواثقة وطريقته الذكية في قراءة الاخبار وصوته المفعم بالعذوبة.. أمسياتنا افتقدت هذا الصوت كثيراً. التواصل الذي حدث في أيام اليوبيل الذهبي ينبغي أن يكون برنامجاً دائماً حتى تضيق فجوة المجايلة البائنة في الأداء التلفزيوني، لأن هنالك كفاءات مازالت قادرة على العطاء.. ومن مصلحة التلفزيون أن ينصرف للاستفادة من عطاء كثيرين مازالوا يجلسون على الرصيف. من أهم أهداف احتفالات اليوبيل الذهبي هو التنبيه إلى الدور المتعاظم الذي ظل يلعبه التلفزيون في الحياة السودانية، والتذكير بماضيه العريق دون تجاوز صوضعه الراهن.. مسيرة التلفزيون تحتاج الى تصحيح كثير.. القائمون بالأمر يعلمون ما أعني، وأنت يا سعادة الرئيس تعلم كذلك أن العاملين في هذا الجهاز ظلوا يكابدون مشقة كبيرة في تأدية مهامهم وسط مشكلات مادية جمّة أرى أنّ الوقت حان لتجاوزها وفتح صفحة جديدة تمكن التلفزيون من دخول الخمسينية الجديدة بروح وَثّابَة نحو مستقبل يطوع الماضي ويستفيد من عثرات الحاضر. مبروك للهيئة العامة للتلفزيون القومي اليوبيل الذهبي.. ونسأل الله تعالى أن يمكننا قيادة ومؤسسات إعلامية في الحفاظ على رحيق الحياة السودانية.. التلفزيون القومي.