منزل الدكتور كمال حسن علي سفير السودان بالقاهرة، كان مسرحاً لمواجهة ساخنة أمس الأول السبت وهو يستضيف صالون الراحل سيد أحمد خليفة.. الصالون جمع صحفيين سودانيين مع النخبة المصرية لبحث العقبات التي تعترض تطور العلاقات الثنائية بين البلدين. تبارى الجانبان في إخراج الهواء الساخن وتبادل الملاحظات الحارقة عن أداء الإعلام والنخب هنا وهناك.. كان أداء الجانب السوداني مُحتشداً بملاحظات عديدة حول النظرة المصرية للعلاقات مع السودان.. المصريون لم يكونوا صيداً سهلاً واجهوا التحفظات والانتقادات بمنطق الإحساس بضرورة تجاوز محطة التلاوم والعتاب. المباراة انتهت قطعاً لمصلحة السودان ومصر وشعبيهما بعد ثلاث ساعات من الأخذ والرد كان الجانب السوداني فيها يرسل (مدفعية ثقيلة) تجاه ما يراه قصوراً بائناً من قِبل النخب المصرية في علاقتها مع السودان. واجهنا النخب في مصر بمسؤوليتها عن عدم وضع الشعب المصري في الصورة إزاء تطورات الأوضاع في السودان.. قلنا لهم إننا نعرف كل شئ عنكم بينما لا يعلم المصريون الكثير عن السودان.. أكّدنا أنّ رد العلاقة لمشروعيتها الشعبية تستدعي أن يكون مواطنو البلدين على وعي بما ينتظرهما من روح وتعاون وإحساس مشترك يدفع بعلاقات تحكمها المصالح الإستراتيجية. قضية الاستعلاء الذي يلمسه السودانيون في تعاطي النخب المصرية مع السودان أثارها الزميل النور أحمد النور رئيس تحرير (الصحافة) الأمر الذي أشعل الصالون بعد أن قال النور إنّ الشخصية السودانية في الدراما المصرية لم تتجاوز دور البواب بعد، وان السودان ما زال ملفاً أمنياً لدى العقلية السياسية في مصر. الجانبان اتفقا أن العلاقات السودانية المصرية ما زالت دون الطموح بسبب إهمال النخب في البلدين لتحريرها من القيود الرسمية والأمزجة الحكومية.. قلنا إنّ مثيرات الحساسية السياسية بين البلدين كثيرة.. وإنّ الطريق الآمن للعلاقات الثنائية هو تمتين الروافع الشعبية وربط البلدين بقاعدة مصالح مشتركة تتجاوز الأنظمة الحاكمة وأيدولوجياتها. الصالون أثار قضية عدم التزام الجانب المصري حتى الآن بالحريات الأربع التي نفّذها السودان وتطاول أمد حل مشكلة حلايب، وخلص إلى أن العلاقات بين البلدين تتطلب أن يقترب كل طرف من الآخر وأن يتركا التلاوم والعتاب، ويودعان ماضي الارتياب والشكوك إلى الأبد، مع التأكيد على وجود قناعة لدى شعبي البلدين تجعل من الإستراتيجيات القائمة على مشروعات التعاون وتوسيع دائرة المصالح مدخلاً لعلاقة راسخة لا تتأثر بأمزجة السياسيين. (الحنان المشترك) والعواطف الجَيّاشة التي يحسها مواطنو البلدين تجاه علاقات الدم والأواصر التاريخية مثّلت محوراً للنقاش، حيث قال البعض إنهما لا تصلحان للتوظيف والاستهلاك دون أن تثمرا واقعاً على الأرض يُلبي حاجة الشعبين لعلاقات قائمة على المصالح بعيداً عن تنميق المفردات وتبادل عبارات المُجاملة المُتبادلة.. بينما اعتبرها آخرون أنّها رصيدٌ إيجابي وأساسٌ مهمٌ يمكن أن يوظف لخدمة الشعبين وصولاً إلى الوحدة الكاملة بين السودان ومصر. الطرفان أجمعا كذلك على ضرورة توظيف الأواصر الثقافية في تعزيز العلاقات التاريخية القائمة على مشتركات معلومة، وقدّما مقترحات نتمنى أن تجد النور من قبل القائمين على الأمر بين البلدين أهمها المجلس الثقافي المشترك وتبادل البعثات التعليمية وإنشاء جامعة مشتركة وغيرها من مقترحات عديدة. الحوار كان ساخناً، والمقترحات اتسمت بواقعية مطلوبة وشفافية مهمة أوجدت مُعالجات جيدة بعد أن أجرت عملية تشريح دقيقة لواقع العلاقات التمس فيه السودانيون العُذر لمصر في بعض التقصير، وقالوا إن سيولة الأوضاع فيها تجعل من المُهم جداً ألاّ نُشكِّل لها عبئاً جدياً بانتظار أن تتعافى من الظروف التي تعيشها الآن حتى تعود قويةً وفاعلةً ومُؤثِّرةً في المحيطين الإقليمي والدولي.