عندما تولى د. عبد الرحمن الخضر ، مقاليد الحكم فى ولاية الخرطوم ، هلل كثير من سكان الولاية ، سراً وعلناً واحتفت به بعض الاقلام الصحفية ، اعتقادا منهم بأن الاختيار موفق (الرجل المناسب فى المكان المناسب) ، بناء على البصمة التى تركها الرجل فى ولاية القضارف ، التى صارت نظافتها وتحريرها من اكياس (النايلون) حديث المدن بل نموذج تطمح الخرطوم للوصل اليه .. فرمانات الخضر فى الولاية الشرقية البعيدة ، اتت أكلها بعد معركة طويلة مع قاطني الولاية ، لأن محاربة السلوك تعد من المعارك الخاسرة ، ولكن استطاع الوالي أن ينتزع انتصاراً غير مسبوق فى معركة المسؤول وسلوك المواطن .. فبعد تسلم الوالي مقاليد السلطة فى الولاية الأم (ولاية الخرطوم) ، تأهب الجميع لصدور فرمانات ل (الخضر) ترمى إلى تحرير الخرطوم من عبث (القمامة) التى كانت عصية على الولاة السابقين ، إلا أن شيئا لم يكن بل امتطى الوالي سياسة غيره فى محاربة المشكلة بجلبه لمعدات وآليات لنقل قمامة العاصمة وصفت بأنها حديثة ، ومع ذلك ظلت القمامة فى تزايد مستمر مع معدل تصريحات المسؤولين لمحاربتها ، لأن اصل المشكلة هى ليس نقصا فى حاويات نقل القمامة وانما اختلال فى سلوك المواطن السودانى الذى يتعامل مع الشارع العام بأنه (كوشة) يرمى فيه كل أوساخه ، فصاحب المطعم يضع قمامته على بعد خطوات من مطعمه ، وأصحاب المنازل يستغلون الحفر والخيران ويحولونها لمقلب نفايات ، حتى الذين يعملون فى جمع النفايات يتعاملون معها بنصف اهتمام ، لأن معظمهم لا يدركون معنى بيئة نظيفة ، .. احد المواطنين روى لنا مشهد رآه وهو يقود سيارته فى احد شوارع الخرطوم ، حيث قال كانت امامه عربة نقل النفايات وبها احد العاملين فيها وكان يجلس على تل القمامة ويأكل فى ثمرة (مانجو) وعندما انتهى منها القى بنواة الثمرة على الارض ، المشهد يفضح من يعملون فى نقل القمامة ، وسلوك المواطن الذى يجعلك تسير فى الطريق العام بحذر ، لأن هناك من يبصق فى وجهك دون أن يعتذر ، أو يرمي تحت قدميك قارورة مياه فارغة أو ينفض بقايا التسالي أمامك كما يحدث فى المركبات العامة ، أو يضع التمباك فى (اصيص) شجرة زينة .. فاذا نظرت تحت قدميك فانك لا تعيد الكرة ، بسبب حجم (القرف) الموجود على الأرض ، عملية السلوك غير المهذب لا تقتصر عند التعامل مع القمامة, فهي تشمل الحمامات فى المرافق العامة مثل المستشفيات ، والأسواق, الأمر الذى اوجد مناخا خصبا للاستثمار فى هذا الجانب ، حيث تجد حمامات نظيفة مقابل حفنة من الجنيهات وهذا لم نجده فى كثير من الدول ، لأننا شعب ينتقل افراده من الهامش إلى المدينة وهم لا يدركون التعامل مع الحمام الافرنجى او غيره ، لان مقرراتنا الدراسية لم تسخر لنا منهجا للسلوك العام نستطيع ان نكسر به حاجز الفوضى ونوفر به ملايين الجنيهات التى تذهب فى عمليات جمع القمامة ، فنحن نحتاج لمنهج ، يجعل الشخص يضع رقابة ذاتية على نفسه فى تعامله مع القمامة وغيرها مما ذكر ، وحتى الذين يأتون من اصقاع السودان يكون المنهج قد مهد لهم الطريق للتعامل مع كل مكونات المدينة الحديثة .. عبر صفحة (حضرة المسؤول) نطلق هذا الاقتراح للسيد وزير التربية والتعليم العام (مطلوب منهج للسلوك) .. حتى تجدي محاولات الوالي ومعتمديه فى نظافة العاصمة نفعاً .