الأحداث المتلاحقة في مصر أو اهتياجات الجماهير الثائرة لم تؤثر على مجرى الثوابت بين مصر والسودان ورغبة مصر والسودان القديمة المتجددة مع الزمن في ترسيخ تكامل بين البلدين يتحقق بالتقاء إرادة الشعبين عند ترسيخ ما ينفع الناس وهو الذي يمكث في الأرض وما عداه يذهب جفاء، ها نحن نقف عند منعطف تاريخي جديد يشيع الرجاء ويبعث علي التراضي إذ أن الطريق البري المعبد الذي يربط بين مصر والسودان قد أصبح حقيقة ماثلة حقيقية تعبر فوقها الشاحنات والعربات بانواعها وأحجامها ،فالخيال الذي كان يذهب إلى احتمال ان تمضي شاحنة من ام درمان متخذة طريقاً جيداً وآمنا لتبلغ القاهرة لم يعد خيالاً للمتفائلين فقط وإنما أصبح حقيقة تهلل بها جموع المصريين والسودانيين في المدن والقرى عبر مئات «الكيلو مترات» التي تجتازها للطريق الجديد.. وهذا الذي حدث يعزز وسائل اتصال قديمة يسهلها مواطنو البلدين عبر طريق ساحلي في أقصى الشرق أو عبر وسائل النقل النهري محدودة المسافات ومحدودة الفائدة.. هكذا نرى في اكتمال الطريق البري بين البلدين تكاملا اختط وجوده على أرض الواقع لتنفتح به أشواق الناس في توسيع أرجاء التصدير والاستيراد المتبادل.. وهما تصدير واستيراد متبادل لا يقتصر على العدد وخفيف البضائع متدنية النفع للعامة وإنما تصدير واستيراد ما يفيد ابناء البلدين كتأمين المدخلات الغذائية التي كانت تستجلب من وراء البحار.. إن المستهلكات التي كان من المستحيل ترحيلها بكميات نافعة أصبح في قدرات أهلنا الإقدام على نقلها في ثقة مما يجعل مردودات فوائد هذا الطريق التكاملي لا تقتصر على المدن والقرى المتاخمة للطريق داخل حدود السودان أو مصر. وإنما تتجاوز ذلك إلى الولايات البعيدة فلا يكون ترحيل الماشية قاصراً على محدودية المواعين النهرية أو ندرة النقل البحري الذي يتطلب مساراً طويلاً يقتضي زماناً طويلاً أيضاً.. ? هذا الذي حدث الآن ليستحق ان نحتفي به لأنه حقق رجاءات طال عليها الزمن حتى ظن البعض ان تحقيقها في حكم المستحيل بالنظر إلى طول المسافات ومنعرجات الأرض ونتوءاتها الصخرية الحادة الصلدة.. ? يتحقق الآن التكامل بين البلدين بصورة عملية ارتسمت نصوصها على الأرض بكل آليات تعبيد الطرق ومواد إنشاء الدروب الثابتة التي لا يبليها الدهر ولا يضنيها هدير الشاحنات القادمة من أنحاء مصر وأريافها صوب السودان أو الذاهبة إليها من دارفور وكردفان وكادوقلي فضلاً عن العاصمة أنه طريق فريد المثال في ساحاتنا الإقليمية برمتها كما أنه الأكثر نفعاً للبلدين من حيث مردودات التجارة المتبادلة أو تحركات أنواع العمالة المطلوبة هنا وهناك..