في تصريح له بالصحف، قال السيد باقان اموم (إن السلام لا يتحقق إلا اذا تم تعزيزه بمصالحة شاملة) وذلك في إطار ما يسمى بمؤتمر المصالحة، وقد تزامن هذا التصريح مع محاولات تهدئة الأوضاع بين المسيرية والحركة الشعبية بعد أحداث قرنتي، التي لم يمض عليها ساعات إلا وأعيدت في سيناريو محزن، اعتبرته الحركة سيناريو مفبرك من بعض الجهات، تلك التصريحات التي أشرنا لها من قيادي بالحركة ليست مستغربة، خصوصاً اذا استصحبنا محاولتها الجادة لدخول الصراع بعباءة الحزب السياسي، واعتبار ما حدث في قرنتي وغيرها بعض بقايا وداد قديم مع شكل الحركة الشعبية في زمن مضى، ذلك الشكل الذي وسمته الطباع العسكرية وسندته الشرعية الثورية، ولكن المستغرب حقيقة أنّ ما يسمى تعزيز المصالحة الشاملة، تجاوز المحطة الداخلية للحركة نحو محطات خارجية، خصوصاً بعد التشكيلة الوزارية الأخيرة التي أعفي بموجبها قيادات ذات وزن من المناصب الوزارية، مثل وزير الخارجية السابق لام أكول، وغيرهم، الله يعرفهم، وذهب الأمر أبعد من ذلك بإقصاء كامل لآخرين، بسبب خلافات تباينت وتنوعت من تهم بالفساد وأكل المال العام، إلى تهم أخرى بالخروج عن خط الحركة، وتجاوز الأطر التنظيمية، وكان ابرز هؤلاء الآخرين، أليو اجانق وتيلار دينق ومن قبلهم آرثر كوين وزير مالية حكومة الجنوب. إذاً القطار الذي تجاوز محطة هؤلاء القادة ربما لن يعود ثانيةً ليصحب المخلفين نحو مصالحة شاملة داخل الحركة، وهو ما ينبئ بردود فعل عنيفة متوقعة من المقصيين، ربما أقربها الانقسام وتشكيل حزب جديد، يخرج كعدو شرس لا يقبل المساومات، يكون مناوئا للحركة الشعبية، ومتحفزا، متصيداً لاخطائها، فبنظرة فاحصة لوضع الحركة التنظيمي الذي كثيرا ما ظهر ضعيفاً وهشاً، خصوصاً فيما يتعلق بالقرارات التي تحكم العمل السياسي اليومي، والتصريحات المتضاربة في بعض الأحيان، وعدم التمكن من تجاوز العقلية العسكرية التي تدير دفة التنظيم، وضعف العمل الجماهيري، قلنا بنظرة فاحصة لذلك الوضع، نجد أنه من السهل على بعض الأفراد الخروج من التنظيم، ومحاولة تكوين جسم جديد يأخذ ملامح الحركة في ما يتعلق بالجانب الفكري، ولكنه ينتهج خطاً سياسياً مختلفاً، حتى يجد فرصة في كسب ود الجماهير، فالدكتور لام أكول مثلا له تجارب شهيرة ومريرة في الخروج، فقد كان أحد الموقعين على إتفاقية الخرطوم للسلام إحدي المنسيات الموؤدات، مع أروك طون الذي قتل في تحطم طائرة، وكاربينو كوانين الذي اغتيل داخل الغابة، ورياك مشار الذي ما زال على أوبته . ولاكول من قبل عدة مواقف تبين كيف يفكر الرجل تجاه الحركة كجسم يمكن ان يغادره في أية لحظة، واليو اجانق الذي لا يفتأ يصر على وجود مؤامرة في حادثة مقتل الدكتور قرنق، هو الآخر قد لا يكون له ولاء يذكر للقيادة الحالية للحركة، وموقفه هذا تجاه قضية قرنق، يبين مدى ضيقه بالنهج الذي تتخذه هذه القيادة في إدارة القضايا، وتيلار دينق المتهم بميوله لحزب المؤتمر الوطني الشريك الأكبر، لا يكن أي احترام لمن ناصبوه العداء وأبعدوه من منصبه، أضف إلى هؤلاء بعض الشباب الذين يرون أنّ الحركة بعد مقتل قرنق، ما عادت هي سفينة الأحلام التي ستحملهم إلى واقع أفضل، مع ملاحظة ان بعض هؤلاء الشباب يمثلون القيادة الوسيطة، وتحركاتهم تؤثر بشكل مباشر على الوضع التنظيمي للحركة، خصوصاً ان بعضهم يتطلع إلى ما تناوشته أيادي الذين سبقوهم في التنظيم، وينظرون في البعيد نحو كراسي القيادة، كما يحق التساؤل في خضم تلك الأحداث، عن موقف زوجة القائد الملهم للحركة السيدة ربيكا قرنق. كل هؤلاء الأشخاص ربما لا يربط مواقفهم مع الحركة أي رابط، ولكنهم يتفقون في المرارات تجاهها بقيادتها الحالية، وهم لذلك اقرب المجموعات للقيام بتكتل وانقسام داخل الحركة الشعبية، ولكن كراسة العمل التنظيمي تؤكد على أن الانقسام في بعض الأحيان يكون دالة لظاهرة صحية، أكثر من انه يمثل مؤشراً لربكة تنظيمية، وكل ذلك يصب بالتأكيد في خانة تحول الحركة بشكل حقيقي لحزب سياسي، ينال حظه من الانقسامات، كما تفعل الأحزاب العريقة.