(تفرهد) أرض الوطن الآن خضرة وزرعاً.. فكأنما النهضة الزراعية كادت تحتوي الحقول والحواشات والبقاع البعيدة والأصقاع النائية بأذرع الرجاء والأمل العريض.. وكل هذا يشيع الفرح الذي لا يجب أن يعبر وينقشع مع (عينات) السنة وخاصة عينة (السمّاك) حيث تقول (ترانيمه) السماك يا مطر كفاك.. ويا بحر بي قفاك. على أن الذي يزرع فينا الحبور هو أن هذا الواقع الذي تجسد على رحاب هذه الأرض الطيبة يعني أن مذلة الفقر آخذة الآن في الانقشاع، فقد عشنا مراراتها وأمضى سنواتها القاهرة أهلنا آهات وتحسرات.. هي آهات مما يعانوه من خيبات كما هي تحسرات على أعمال يطويها الضياع.. فإذا هي أي الأعمار تتبدد بين أخاديد الزمن كخواطر المحمومين وهذيانهم، ها هي ذي الأرض الطيبة تكسوها الخضرة في كل أنحائها وتبشر ببادراتها المعافاة بأن محصول المزارع من كل الأصناف سيفرض الرخاء في أوساط أهلنا الذين كادت تتيبس أجسادهم من العدم والتضور والإنطواء. الأيدي الفتية لن تظل معطلة عن العمل ذلك أن انتشار الزراعة وتعميمها في كل إقليم وريف تصاحبه حرف كثيرة سوف تستيقظ بعد طول همود تزاولها الأيدي التي تعطلت طويلاً لتصبح إضافات متجددة أخرى تدفع بالحياة معه كل القطاعات والمهن السائدة.. إن واقع الحال الزراعي يقبطنا فيه أن الفقر معه لابد آخذ في الإنحسار وأن أشباحه المخيفة التي شحبت بها الحياة تغادر الى غير عودة والمطامح لا تقف عند حدود حين تتصدرها الجدية وتتآزر معها الإرادات وتلقي هموم الوطن عند أبنائه العلماء وأصحاب الفكر والعارفين بمناهج التخطيط والتدبير، ها هي وزارة الري والموارد المائية تضع أمام الجميع خطتها للعام 2009م وهي خطة مثيرة للعجب والإعجاب معاً.. ذلك أنها قد اشتملت على (47) مشروعاً تقع في مصفوفات وأهداف وصفتها بالاستراتيجية في محاور التنمية المستدامة والبحث العلمي وبناء القدرات والمعلوماتية لتحقيق الغايات الاستراتيجية وفي مقدمتها محاربة الفقر مع التنمية المستمرة، وتعالوا لنرى ماذا يجري في إطار التخطيط والفكر الزراعي ولنجد أيضاً ما يعضد الرجاء في قهر الفقر وركله عن ديار أهلنا المتناثرين فوق بطاح المليون ميل مربع هذه وهناك نلمح أيضاً (وبعجب وإعجاب) أن الاستعدادات كافة قد اكتملت لزراعة مليون فدان من محصول القمح هذا الشتاء منها (650) ألف فدان بولاية الجزيرة و(450) ألف فدان بولايتي نهر النيل والشمالية وذلك كله ضمن برنامج النهضة الزراعية. ويحدثنا الدكتور ياسين الدسوقي مساعد الأمين العام للنهضة الزرعية تأكيداً للمقاصد الحاسمة بأن المبالغ المعتمدة لتنفيذ برنامج مشروعات النهضة الزراعية هذا الموسم شملت الولايات والمؤسسات الحكومية. وبلغت (480) مليون جنيه ما يعادل (40%) مما هو مرصود للنهضة حتى يونيو، الماضي وهي نسبة غير مسبوقة. إذاً، فإننا جميعاً لا نبني التفاؤل على الظنون.. وأهمه على الإطلاق التفاؤل بانقشاع الفقر فهو الهم الذي يؤرق أهلنا.. فهل تنعم الأرض الطيبة هذه بشمول العيش الكريم اليسير وتحقق تطلعات الشباب حملة رايات المستقبل؟؟؟