انّه تمرين صحفى وليس خبرا ... اذا شبّ حريق نتيجة (التماس) كهربائى فى السوق العربى فتأثرت به خمسة محال تجارية فتعال نقرأ عناوين بعض صحف الخرطوم صباح اليوم التالى : اندلاع حريق هائل بوسط الخرطوم ... النيران تلتهم السوق العربى ... قوّات المطافى تنقذ السوق العربى من كارثة تجارية ... تراخى محليّة الخرطوم يتسبب فى حريق هائل ... الخرطوم تعيش مساءا ناريّا ! خمسة عناوين عن خبر ولم يظهر الخبر ... وقفت عين الصحافة على ضفاف الخبر فنقلت رأيا عن الخبر ... لكن لم تنقل الخبر ... فالخبر هو حريق بخمسة محال تجارية بالسوق العربى ! الخبر له معاييره المهنية ... خبر خال من (شبهة) الرأى أو الرؤية ... التقرير الخبرى المهنى هو نقل دقيق للوقائع أو وصف لما رأته عدسة الكاميرا ... ليس الخبر فرشة تفرشها الصحيفة ليمشى عليها الرأى ... بداية الانحراف الصحافى هو أن تكون هناك مسافة تقاس بالكيلومترات بين عين الصحيفة و رؤيتها ! الناقدون لأداء الصحافة السودانية بالايجاب يضعون على صدرها وسام الرأى ... لكن لا أظن أنّ هؤلاء يرجون منها أن تكون صفحات الأخبار والتقارير الخبرية و التحليل صفحات رأى ... فحتى الرأى لن يكون رأيا الا اذا كان مدعوما بعيون الأخبار الفاحصة ... وإلا فانّ القراء سيطلبون من صحف ترى حريقا بخمسة محال تجارية حريقا بوسط الخرطوم أو ترى سيارة الاطفاء ولا ترى الحريق , سيطلبون منها اجراء كشف نظر مستعجل ! الرأى الذى خرج من الدكتور هاشم الجاز فى ورشة الصحافة والبحث يستحق التأمّل الأعمق من الصحفيين بكل تخصصاتهم وخبراتهم ومواقعهم المهنية ... وهو أنّ الصحافة الأكثر تأثيرا هى التى يقترب تحريرها من التحرير البحثى و أخلاقه ! فى حركة العلم و التطبيق سيطر مفهوم العلم القائم على البرهان , القائم على تكنيك البحث ... فظهر الطب المثبت بالبرهان ... والادارة المثبتة بالبرهان ... ولن نطمع فى يومنا هذا فى بلدنا هذا فى سياسة مثبتة بالبرهان ... ولكنّها فرصة متاحة للصحافيين أن يسابقوا السياسيين الى مغفرة من ربهم فيقدّمون للمشهد العام صحافة مثبتة بالبرهان !!