لا أحبُّ الكلام المكرور ولكن للضروة كلمتها وأحكامها. ضرب مصنع الشفاء مساء ذلك الخميس الحزين من أغسطس الماطر. كنت وقتها في لندن مع والدي، يرحمه الله، الذي ذهب الى لندن تلك المرة مستشفياً. كنَّا في العربة قافلين من زيارة مراجعة للطبيب ووالدي، يرحمه الله، يتوكأ مستنداً عليَّ وأنا الذي ظللت مستنداً عليه حتى بعد أن استويت واشتد عودي، بل إنني ما زلت استند على والدي، يرحمه الله، حتى بعد رحيله فما تركه فينا، نحن أبناؤه، يشدُّ من أزرنا ويحثنا ويزرع فينا كل المعاني الخيِّرة. همس أحد المرافقين في أذني بنبأ ضرب المصنع وكان مردُّ الهمس أنه لا يريد لوالدي، يرحمه الله، أن يسمع النبأ. لابد أن صاحبي لا يعرف والدي، يرحمه الله، ولا يعرف أي معدن من الرجال هو وأي جيل عظيم، وجميل، ونبيل وأصيل جاء منه. جهرنا بالنبأ ولم يختلف رد فعل والدي، يرحمه الله، عما توقعته بل أن رد فعلي الذي عرفه كلُّ الناس قد كان قطرة من بحر والدي، يرحمه الله. ولم يكن انفعال شقيقي عبد الكريم وابن عمي الدكتور إدريس بابكر وابني أحمد ببعيد عما ظنناه من خير فيهم، فقد وقفوا عند الحطام لا ليبكوه أو يلعنوا عاثر الحظ بل ليطمئنوا على من كان هناك وليرافقوا الجرحى ويقفوا على حالهم ومآلهم. وفي لندن جاءتني الاتصالات وكانت منِّي اتصالات كذلك. وكان أول اتصال لي بالأخ الدكتور منصور خالد، شفاه الله وعافاه، لنلتقي بعيدها ولنكوِّن غرفة عمليات كان على أحمد أحد أميز حضورها. ومن تلك الاتصالات التي أجريتها اتصال بالأخ السيد استيف بروقان المحامي، ومن تلك الاتصالات التي تلقيتها اتصال من الأخ الصديق السيد محمد حسين العمودي الذي عرض عليِّ وقفته معي وتوجيهه للسادة شركة أكن قمب للمحاماة للوقوف معي. دقائق بعد ذلك تلقيت اتصالاً من السيد جورج سالم المحامي من أكن قمب، وكان حديثي لكلٍّ من صديقي استيف والسيد جورج سالم إبداءً لاستعدادي للسفر الى واشنطون فوراً. رفعت الجلسة. صلاح احمد ادريس رفعت الجلسة