أخشى، وهذا أخشى ما يخشاه كاتب، ان يصاب قارئه بالملل، إنتابني ذلك الشعور خوفاً من طول المسافة التي قطعتها معكم، ولكم، في شأن مصنع الشفاء الذي أرى أنه يبقى موضوعاً دافئاً، إن لم يكن ساخناً، يستوعب الكثير من النقاش وتبقى فيه بعض المساحات بوراً وعذراء تُغري بالبحث والتقصي. وأعود الى صديقي استيفن بروقان ذلك المحامي الأمريكي النابه والمتميز الذي وضع لخطته ان تسير على مسارين شمالاً وغطيا كل الأبواب والنوافذ المتاحة في التقاضي في أمريكا، وأعني بذلك الولائى والفيدرالي فرفع قضيتين هنا وهناك ولست في مكان استطيع ان أبرر به عمله ذاك لأبقي الباب مفتوحاً له ليقوم بذلك. وكان من الطبيعي، بل المتوقع، ان يتحصن المحامون الذين مثلوا الدولة الأمريكية ورئيسها بالحصانة ونظرية المسألة السياسية (Political Question) وعدم صلاحية أو حق السلطة القضائىة للنظر فيما يقع ضمن صلاحيات محددة للرئيس. إذاً، فقد ضاع جهد بروقان وسعيه في الحصول على ما يفيد بأن القانون السوداني يتيح للأمريكي المتضرر من قرار رئيس الجمهورية بأن يقاضيه، وهو ما أكده في رأي قانوني المحامي السوداني الاستاذ حسين الصالح برسالة موثقة من كل الجهات المسؤولة وبعث بها رداً على استنجاد السيد بروقان به. وضاع، كما ذكرنا، ارتكاز السيد بروقان وفريق عمله على القوانين والاتفاقيات الدولية التي حظيت بإتفاق وتوقيع أمريكا عليها. ولقد اتفق قضاة المحكمة الفيدرالية العليا على رفض دعوى الشاكي فيما يختص بهاتين النقطتين وبقيت النقطة الثالثة التي جاء فيها اختلاف آراء القضاة. أما النقطة الثالثة التي كانت جزءاً من استراتيجية السيد بروقان وفريقه فقد إنبنت على إشانة السمعة والهجوم الشخصي الذي تبناه أركان الإدارة الأمريكية على صاحب مصنع الشفاء. فوصف بالإرهاب والارتباط ببؤره وقياداته وكان ذلك عبر كل أجهزة الإعلام مقروءة ومسموعة ومرئية مما يقيم ظرفاً يتطلب الإنصاف ورد الاعتبار ولا يدخل مطلقاً في المسألة السياسية التي يتشبث بها محاميو الرئيس. وبينما أصر قاضيان على أن هذا لا يغير من الأمر شيئاً، فإن القاضي الثالث قد رأى غير ذلك، الأمر الذي سيتيح، إن لم يكن قد أتاح، فعلاً، فتح الباب من جديد للنظر في هذه القضية. و... رفعت الجلسة