(1) السوداني هو أيقونة الكسل في معظم النكات والطرائف العربية، على الرغم من ثبوت مفارقة مفادها أننا شعب لا تخرج ساعات العمل الرسمية في مؤسساته الحكومية أو الخاصة عن مواقيتها بدخول شهر رمضان ! .. على سبيل المثال أعلن بنك السودان المركزي يوم أمس الأول عن تعديل ساعات العمل اليومي للعاملين بالجهاز المصرفي بالبلاد خلال شهر رمضان، فتفتح المصارف أبوابها عند الثامنة والنصف من صباح كل يوم عمل، وينتهي العمل عند الثالثة والنصف بعد الظهر بدلاً عن الرابعة ! .. وهو تعديل طفيف جداً لا يسمن نوم العاملين، ولا يغني من جوع ساعات أجسادهم البيولوجية التي تضطرب لاختلاف الطقوس اليومية وتغير مواعيد النوم في أيام رمضان إلى الراحة .. بعكس بقية شعوب أمة العرب التي تعيش حالة «بيات رمضاني» .. فتعمد إلى قلب مواقيت ساعات العمل رأساً على عقب ! .. بينما ترى حكومة السودان (أيقونة الكسل) بحسبهم أن مجاهدة الكسل بعدم كسر الروتين الوظيفي هي من قبيل مجاهدة النفس التي لأجلها شرع الصوم .. وهكذا يقدم نظام ساعات العمل في رمضان مرافعة عملية عن الشعب السوداني الموقوف تاريخياً بتهمة الكسل ! (2) جميع العبادات مقدار ثوابها مكشوف إلا الصوم .. وجميعها له أبوب مواربة يتسلل منها الرياء إلا الصوم .. فبينما يطلع الناس على أداء بعضهم لبقية الشعائر يبقى الصوم سر العبد وربه ! .. وبينما يقوم جمع الحسنات على صرف المال فيما فيه رضا الله,ينهض الصوم على مبدأ كسر النفس، ونقص البدن بتعريضه للجوع والعطش ! الصوم لا يدخله الرياء بفعل العبد، وإن كان قد يدخله بالقول .. وقد يدخل في قبيل ذلك في تقديري إصرار بعض الصائمين على عدم إتيان رخصة الإفطار في نهار رمضان (لعذر السفر أو خلافه)، رغم المشقة والتعب الظاهر، خوفاً من ردود أفعال الناس ! .. فالذي يختلط ببقية الشعوب المسلمة يدرك كم أن مسلمو السودان هم أكثر المسلمين زهداً في رخصة الإفطار .. ليس من باب المغالاة في الدين، وإنما لأن الأكل والشرب عمداً وجهراً في نهار رمضان، هو (فعل) مرتبط في عقلنا الجمعي ب (شيل الحال) .. الوصم بالجبن .. ضعف العزيمة .. وضعف الإيمان .. ثم لأن الصوم في غير أيام رمضان هو (هم) كبير .. ربما بسبب طبيعة الطقس المناخ ! .. هذه مرافعة عن رخص الله التي يحب أن تؤتى، ضد الوقوع في شبهة الرياء بالإصرار على عدم إتيان الرخص ! (3) جمهور فقهاء المسلمين قالوا ببطلان صوم من يدخن في نهار رمضان لأن دخان السجائر من المفطرات المؤكدة التي تصل إلى جوف الصائم وتختلط بدمه وتشبع لديه رغبة .. بينما الصوم في مجمله إمساك عن الشهوات ! .. لكن بعض شيوخ الإسلام انحازوا إلى معاناة المدخنين على حساب المصلحة العامة، منهم إمام الشيعة سماحة الشيخ (السيستاني) الذي أجاز لمدمن التدخين أن يدخن ثلاث سيجارات في نهار رمضان .. ومنهم المفكر الإسلامي (جمال البنا) الذي حلل التدخين في نهار رمضان للمدمن خوفاً عليه من النفاق، أي خوفاً على دينه من الفتنة! .. بينما لا يملك المسلم العاقل الحاضر ل «نهارات» رمضان في هذا البلد، إلا أن يجزم بالآتي : إذا كان شرب الخمر حرام شرعاً لأنه يلعب بالعقل، فإن شرب السجائر ينبغي أن يعد كذلك، من باب أن الامتناع عن شرب السجائر لدواعي الصوم في نهار رمضان يلعب بالأعصاب .. أوليس هذا هو ما أثبته لك هذا النهار .. و تثبته لنا نهارات رمضان كل عام !