الطريق الى قرية الشبارقة محاصر بالخضرة والسماحة والكرم الفياض، الكل يرفع يديه.. «مرحباً بكم.. تفضلوا!! حبابكم عشرة..!! دخلناها والشمس أطلت برأسها تعلن مولد يوم جديد.. والسكان في غدوهم ورواحهم.. تبتغون الرزق الحلال.. بين تلك المروج والبراري الخضراء.. والسماء ترسل إشاراتها تبشر بالخير العميم..!! ينحدر سكان الشبارقة من قبيلة القواسمة فرع من قبيلة رفاعة الكبرى، دخلوا السودان مع الهجرات العربية عن طريق مصر واستقروا في أبي حمد. وكلمة الشبارقة جاءت من مفردة شبرق، وهو نوع من الشجر الشوكي القوي، وكُنى بهذا الاسم لقوته وصلابته..! ذاع صيت الشبارقة بالتعليم حيث لا يوجد بها أمي واحد منذ يناير 1975م.. وعرفت دربه في العام 1906م حيث تأسست أول مدرسة أولية على يد الناظر جميل. يروي عثمان يوسف جميل أن والده أول من درس بالمدرسة ومعه فضل عبدالقادر والد معتصم فضل رئيس قطاع الإذاعة وفضل محمد علي.. ورفض الإنجليز التصديق بالمدرسة ولكن تحت إلحاح الناظر جميل.. صُدقت.. وكان يحتاج لناس يقرأون ويكتبون لأنه كان أمياً..!! ? يعتبر الناظر يوسف جميل هو رائد التغيير والنهضة الاجتماعية في قرية الشبارقة، واستفاد من دراسته في كلية غردون وتخرجه في مدرسة الإدارة سنة 1924م، وعمل إدارياً في دارفور لمدة «7» سنوات منذ العام 1926م وتخلى عن عمله (الإدارة) بطلب من والده ليتولى أمر النظارة في سنة 1934م..!! ? لم يكن يوسف جميل ناظراً اعتيادياً إنما كان ثاقب الفكر بعيد النظر، واسع العلاقات كانت تربطه علاقات وطيدة مع كبار السياسيين ورجالات التعليم والإدارة. يحكي ابنه عثمان يوسف جميل ان اللواء محمد نجيب كان يراسله من مصر بعد استلامه رئاسة الجمهورية ودعاه دعوة شخصية لحضور العيد الأول لثورة يوليو 1952م.. وكان زميلاً له في المدرسة الأميرية المتوسطة بودمدني. شجع الناظر يوسف جميل تعليم البنات بدعم سخي وتحفيز من الرائد بدري وقام ببناء أول مدرسة لتعليم البنات سنة 1934م، وتعتبر عائشة علي وخير منو المهدي والتاية عبدالوهاب وفاطمة علي من رائدات تعليم البنات بالقرية. وتقول فاطمة جميل إن معلمات الشبارقة عملن في كل أنحاء السودان، وطافت خير منو المهدي بمدارس الكرمك وبورتسودان والقضارف وكسلا وتخرجت مع زميلاتها كأول دفعة من القرية تدرس بكلية المعلمات بأمدرمان سنة 1940م، وافتتحت مدرسة الشبارقة الأولية للبنات بحفل ساهر أحياه فنان الحقيبة الشهير الفاضل أحمد بحكم صداقته مع يوسف جميل. ? يلحظ الزائر لقرية الشبارقة أن قلب القرية ربط بأربعة شوارع وسيعة تقود الى المسجد والسوق ويروي عثمان يوسف جميل أن والده اطلع على بعض الخرط الخاصة بالمدن العربية.. التي كانت بحوزة الإنجليز يومذاك ونالت إعجابه خريطة لمدينة بغداد القديمة.. واختارها ونفذها في الشبارقة رغم معارضة المواطنين لذلك ونجح في إقناعهم بهدفه وأصبحت القرية مضرباً للمثل في التخطيط..! ? تعتبر الشبارقة أول قرية تمحو الأمية الأبجدية تماماً وسط مواطنيها في يناير1975م بجهد المواطنين..! اهتم يوسف جميل بتنمية مجتمعه بتطوير التعليم بكل أشكاله، ويروي عثمان جميل ان أول كلية لتنمية المجتمع بدأت في الشبارقة تحت مسمى «نادي الأمهات» استهدف به اللائي فاتهن قطار التعليم بذات المناهج والطريقة التي تُتبع الآن. واهتمت الشبارقة بالنظافة العامة وإصحاح البيئة منذ العام 1940م، ووجدت شهادة بمكتب عميد بخت الرضا شهادة تقول إنها القرية النموذجية في السودان منذ عهد طويل. ? أول مركز شرطة أسس في منطقة الشبارقة سنة 1934م تستفيد منه الشبارقة والقرى التي تتبع لها إدارياً.. وأنشأه يوسف جميل بحكم تجربته الشرطية في كلية غردون والهدف منه محاربة الهمبتة يومذاك.! ? حكى عثمان جميل انه سمع من الرئيس عمر البشير إبان عمله في دارفور أن المأمور يوسف جميل جاء ماراً بقرية ووجد عدداً من النساء يتجمعن حول البئر يردن الماء ولحظ أن عدد الفتيات حاسرات الرأس كبيراً والمقنعات قلة، فسأل عن السبب فقيل له «إن المقنعات متزوجات» وأشار بضرورة ان تزوج الفتيات في أسرع زمن وقد حدث، وبهذه الطريقة يعتبر أول من سن الزواج الجماعي في السودان في منتصف العشرينيات. ويُلقب يوسف جميل في دارفور ب«مُقنع الكاشفات» وسُميت فاكهة اليوسفي في دارفور ب«يوسف أفندي» لوجاهته ونظافته، وله شارع يُسمى شارع يوسف جميل..!!