قتلى وجرحى، وإنهيار ألف منزل، وشلل في الحياة العامة، وتعطيل مصالح خاصة وعامة،وتعطيل مدارس،هي حصيلة أولية خلفتها أمطار الأربعاء في العاصمة،بمعدلاتها القياسية،وما خفي من الأضرار المادية، والنفسية أعظم. قد تجد طريقها إلى وسائل الإعلام فتحكى أو قد لا تجد، ولكنها بدون شك، تستمر مادة ثرة للمجالس الساخطة من فشل حكومات ولاية بالخرطوم، على مدى سنوات،في التعامل مع الخريف، وأمطار الخريف. مشاهد الأربعاء،بكل ما فيها من مآس وسخط ،ظلت تتكرر كل عام، ولعقود من الزمان،بالجملة والحرف والنقطة والشولة. تتغير الأعوام، بالطبع، وتتراوح معدلات الأمطار من غزيرة في عام، إلى متوسطة في العام التالي،إلى شحيحة في العام الثالث، ولكن المشاهد تظل هي هي . أين العلة في الأمطار أم في من تقع عليهم مسئولية التعامل مع الأمطار. الأمطار خير وبركة وسبباً أول في إستمرار الحياة في كل بقعة على الأرض.في هذه الحالة،العلة،بكل المقاييس،ليست في الأمطار،ولا في معدلاتها،ولا في توقيتها.العلة في هذه الحالة في المسئولين،تبدأ المسئولية من حكومة الولاية، إلى الوزارة المعنية،إلى المحليات، إلى اللجان الشعبية.. العلة في هذه السلسلة من المعنيين أو يُتصور أن يكونوا المعنيين بتحويل كل قطرة من مياه الأمطار إلى قطرة حياة،وعتبة نماء،وخطوة تطور،وعامل مساعد على الحركة والنشاط والإنتاج، وتكامل دورة الحياة،بدلاً من أن تربط مياه الأمطار في العاصمة، في كل عام،بالقتل،والإصابة،والانهيارات، وشلل الحياة،وتوقف المصالح،وناموس وذباب،وسخط ضد الحكومة في كل مستوياتها. ولا يدخل الفشل من باب قلة الصرف على مثل هذه المشروعات.لا،فما نراه من مشروعات نفذت وتنفذ، كاف للحد البعيد،لاستيعاب أمطار السودان والدول المجاورة، ووضعها في المواعين المناسبة.لو طلب برلمان ولاية الخرطوم من حكومة ولاية الخرطوم،في مسألة مستعجلة، أو أي شكل آخر من الأشكال،التي تقدم بها الطلبات البرلمانية،لو طلب دفتر انجازاتها،في مجال الطرق والمصارف والمعابر والتخطيط والتعمير،وكل مشروع من شأنه أن يدير مياه الأمطار،بالصور العلمية والحضارية الصحيحة،لوجد البرلمان انه أمام رقم ضخم،يشيب لضخامته الولدان، وأمام مشروعات متعددة ومتنوعة،تشمل أغلب أجزاء العاصمة. ولكن لو نزل البرلمان على الأرض وراى هذه المشروعات، سيصاب بالإحباط،بما راى من مشروعات عبارة عن «خرمجة»،ولت وعجن،و«طاقية» هذا في «رأس» ذاك، و«جبر» هذا فى «كسر» ذاك، وفوضى عارمة في عمليات تنفيذ المشروعات،ما انزل الله بها من سلطان.وأمثلة تلك الفوضى على قارعة الطريق. انظر كيف تم نقل الموقف الرئيسي للمركبات العامة من «ابوجنزير» إلى «السكة حديد». المدافعون عن عملية النقل منوا الناس بالجنة الجديدة في السكة الحديد،ولكن بعد أن اكتمل المشروع ظهرت «اشاعة».فقد تحول الموقف الى بركة مياه مع أول هطول.ومن أمثلة الفوضى تجمع السكان بعد الأمطار،حيرة،أمام المصارف المغلقة من قبل،الذين نفذوها، وأمام الطرق،التي نفذت من أعلى المصارف،ومن مصارف نفذت،ولم توصل بالأحياء لتصريف المياه من داخل الأحياء،ومن أحياء لم تر المعنيين بتصريف المياه ،وكنتور المدن منذ الأزل. والفوضى تأتي من سببين: الأول إعطاء المشروعات لمنفذين سيئين، بلا خبرة ولا تجربة،ولا ضمير،واستشاريين أسوأ منهم.والثاني غياب كامل للتخطيط والتنسيق بين الجهات التي تنفذ المشروعات: من ينشئ الطرق، يغلق المصارف،ولا يهمو. ومن يفتح المصرف،يحول الطرق إلى جبال،ومتاريس،ولا احد يسأل. ومن يقوم بتوصيل كيبل أرضي، يدوس على كل البني الموجودة،ولا رقيب ولا عتيد.ولا فائدة: صرف على ألفاضي، ومشروعات تغرق في الفوضى.