كل العاصمة، هذه الأيام، تفضح فشل حكومة الخرطوم في خلق منافذ وأوعية عديدة لاستيعاب مياه الأمطار، وتحويل موسم الأمطار إلى موسم يتمناه الناس، بدلا من أن يظل موسماً لترقب الأهوال ويعتري فيه الناس شعور بالرعب والخوف، ويشملهم فيه شعور بالسخط والغضب. وتتحول أخبار بلادنا إلى موت وخراب ودمار وفزع، وإعلان العاصمة منطقة منكوبة بالصوت العالي.. وصياح يطلب الإغاثة، من القاصي والداني، بدون خجل.. وتصل الإغاثة، وينشط تجار النكبات، وتجار الإغاثة، و«دفانين الليل».. ويذهب الخريف، وتمضي ثمانية أشهر، هي أشهر الصيف والشتاء، ليأتي الخريف من جديد، وكأننا لم نتلق الدرس، ولم نتعلم من مرارة التجربة. يأتي والحال ياهو نفس الحال إنها عاصمة «برجوب»، يختلط فيها حابل المنازل والمرافق: من مستشفيات ومدارس، ووزارات وغيرها، من الأشياء، بنابل الشوارع والطرقات والمصارف والحواجز والأرصفة وغيرها، من مكونات المدينة، وتقوم أنفاس رجال الدفاع المدني... وتدور ذات الدائرة «البائسة»، ويتجلى الخطاب التبريري للمسئولين، يسيل ويفيض هو الآخر. هذه المرة، أيضا، وجه مجلس الوزراء مثل المرات السابقة، بإيجاد معالجة جذرية لمشكلة تصريف مياه الأمطار، وهذه المرة، أيضا، تحدث الوالي عن ضخامة معدلات الهطول، كما تحدث الوالي العام الماضي، والعام قبل الماضي. أحص ما شئت من الولاة ، قل عشرة ولاة ومعتمدين، على طريقة الشاعر حميد، تجد أن تصريحاتهم في مثل هذا الموسم، تكاد تتطابق، حرفاً حرفاً. «ثمرة»، كل تلك التصريحات، تتجلى في «الفشل» الكبير المزري في إيجاد معالجة جذرية لمشكلة تصريف المياه في العاصمة. للخروج من هذه الدائرة «البائسة»، وهذا الفشل الكبير المزري، يلزم إحداث التغيير الجذري. ولن تحل المشكلة، بل تتعمق من عام إلى آخر، ما لم يعد الترتيب في كيفية العمل وخططه وبرامجه وأساليبه، ويشمل كل الأنشطة المتعلقة بالتخطيط والتعمير وتنظيم المدن. فما يحدث الآن هو تخريب للمدن، دخل على المدن، في وضح النهار، عبر مشروعات نراها بأعيننا، جميعا، إلى أي مدى تمشي كسيحة، وكم هي محفوفة بالرداءة، والى أي حد تواكبها اللامبالاة، وبأي قدر تنطوي على عدم المسؤولية. حسب الواقع، فان العمل من اجل خلق نظام جيد لتصريف المياه، يتم عبر ضابط قوي يربط ويحكم المسافة بين الوزارة والأحياء والحارات، نحن نفتقر الآن إلى هذا، أو أنها موجودة ولكنها تتم ب «فوقية» أو ب «هرجلة»، بعيدا عن النظم المعروفة، التي اتبعت في مدن، في بلاد من حولنا، فحولتها إلى مدن يشار إليها بالبنان، مدن تبلغ اعلى مراحل جمالها حين تمطر الأجواء، وحين يستمر الهطول لساعات طويلة، مدن تحركها الأمطار ولا تصيبها بالشلل. التغيير المطلوب يتعين عليه، إعادة النظام المفقود ، وهو كان موجوداً، ولا يزال موجوداً على الورق من: قوانين ولوائح، وشروط وإجراءات وتنبيهات. إقرأ أقرب ورقة رسمية تقع بين يديك، ستجد النظام، يمشي فيها على قدم وساق، لو طبق، فقط، لعاد «المفقود»: كيفية العمل، وأساليب العمل، وأولويات العمل، والإخلاص في العمل، والنظر إلى مستقبل العمل، ومستقبل الأجيال القادمة، ثم يتعين على الثورة استدعاء استشاريين من الخارج، يقدمون «النظرة الأخيرة» للمشروعات من زاوية الفن والجمال والجودة والمواصفات، وبعين زرقاء اليمامة، في مثل هذه الحالة يمكن للحكومة أن تتحدث عن واجبات المواطن حيال قضية تصريف المياه.هو، الآن، أي الموطن، محاط بأخطاء التنفيذ، إحاطة السوار بالمعصم، إحاطة الماء بمنزله، ليس أمامه فرص وخيارات، سوى أن يرتكب هو الأخطاء، من حيث يعلم ولا يعلم. إذا كنت أنت، الحكومة، تنفذ المصرف أو النفق أو الطريق، أخطأت فكيف تطالبني بأن اعمل «الصاح» والخطأ سيل يجرفني. جرفوا الأحياء كنتورياً، من أول العام، ووفقاً للنظم المطلوبة بجهاز اداري وفني وعلمي دائم وقوي ومتسلسل من الأعلى إلى الأسفل، ومتابع لحظة بلحظة، ومن بعد اطلبوا كل الواجبات من المواطن، ولو رفض القانون كفيل بردعه، وهذا ما يحدث في كل المدن الجميلة. ولكن المعادلة مختلة «من اصلو»، و«الخرمجة» في التنفيذ طافحة..ومن يسأل من؟!