جبل الانسان على حب الجديد ومن هنا جاء القول المعروف «لكل جديد لذة» فثوبك القشيب الجديد يكون دائماً محل اعجابك وتسير به بين الناس وملء نفسك الزهو وتدخره لتنقيه في الاوقات والمناسبات الخاصة وترفل به وتتعهده بالعناية والغسيل والكى وتحرص ان لا يتعرض لاي غبار أو أوضار وتحفظه بكل الاهتمام في خزانة ملابسك. اما اذا بلى هذا الثوب فيقل اهتمامك به وقد يستخدم في تنظيف الاثاث والارضيات والاواني وفي نهاية المطاف يلقى به في المزبلة. وسيارتك الجديدة تبادر عند شرائها بنحر خروف شكراً لنعمة الله وتتلقى التهاني والتبريكات بمناسبة اقتنائها من الاهل والصحاب والعشيرة وتهتم بغسيلها اليومي على ايدي عمال غسيل السيارات ودورياً في محطات الخدمة وتهتم بفرشها وتزيينها وتعطيرها. ولكن مع تعاقب السنوات وتوالي العطب والاعطال يفتر اهتمامك بها رويداً رويداً الى ان تبيعها بثمن بخس أو تتركها جثة هامدة امام منزلك فيعلوها الغبار وتصبح ملاذاً للجرذان والهوام والقطط. والحصان الذي تربيه لتشارك به في السباقات لا تقتصر تغذيته على العلف المعتاد بل تغذيه باللبن والزبيب، فاذا تقدم به العمر واصبح غير اهل للمنافسة فانك تبيعه لمن يستخدمه في جر عربات الكارو. والعجل الذي تريده ان يعمل في حرث الارض أو في الساقية تتركه يرضع من ضرع امه حتى يرتوي واذا شرع في العمل تهتم بتغذيته وعلاجه اذا المَّ به مرض أو اصابته جروح أو قروح، اما اذا شاخ فإنك تبادر ببيعه للقصابين. وقد أحسن الشاعر الذي نظم قصيدة يتحدث فيها بلسان مثل هذا الثور الذي يجد كل الرعاية والاهتمام خلال سنى عطائه، اما اذا شاخ فان صاحبه يحمل مديته لينحره ويبيعه لحماً.. فقد قال: «..واذا شخت جاءوا بمداهم لذبحتي..» وفي عهود الاسترقاق كان الارقاء يعملون بنظام أقرب لما يسمى «الغذاء مقابل العمل» وحين يصيب الكبر أحد الارقاء لا يجد من يكترث بحياته من تغذية وعلاج حتى يقضي نحبه وفي هذا يصدق القول المعروف «أكلوه لحماً ورموه عظماً». والوالدان اللذان هما منبع الحنان والرحمة يجدان في الغالب الاعم الاهتمام والرعاية والعمل وفقاً لتوجيهاتهما عندما يكون الابناء في حاجة اليهما ويعتمدون عليهما في كل كبيرة وصغيرة. وقد يقل الاهتمام بهما عندما يستقل أبناؤهم بحياتهم وربما لا يهتمون حتى بالانفاق الشرعي على الوالدين وسجلات المحاكم الشرعية تحتوي على العديد من قضايا النفقة وقد يبلغ العقوق مداه حين يأخذ الأبناء الوالدين- احدهما أو كليهما- لدار ايواء العجزة. ! اما الفعلة النكراء حقاً فهي ما ظلت تمارسه احدى القبائل الافريقية الرعوية عندما يبلغ احد شيوخها من الكبر عتياً ويشكل عليهم عبئاً في ترحالهم فكانوا يعمدون الى وأده حياً- هذا هو مصير الوالدين اللذين قال فيهما الشاعر: «فاذا رحمت فأنت ام أو أب هذان في الدنيا هم الرحماء». والفنان المطرب ذو الصوت الشجي يلتف المعجبون والمعجبات حوله ويرتادون حفلاته، اما اذا تقدمت به السن وشاخ صوته ولم يعد قادراً على التطريب فان معجبيه ومعجباته ينفضون من حوله. ونجم الرياضة الذي يتألق في الملاعب في شبابه ترتج المدرجات بالتصفيق عندما يدخل الملعب أو عندما يحقق انتصاراً، ولكن مع مرور السنوات يقل عطاؤه فلا تسمع في ملاعب الرياضة سوى صفير الجماهير الذي يصم الآذان، والمطالبة بخروجه من الملعب بل وشطبه من كشوفات الفريق. والقصيدة التي اتخذنا احد ابياتها عنوانا لهذا المقال من نظم الشاعر المبدع الرقيق ابراهيم ناجي وقد انتقاها الفنان زيدان ابراهيم وأحسن «العندليب الاسمر» اداءها بصوته الشجي الطروب.. وزيدان من فرط ابداعه واتقانه يتغنى وكأنه لا يغني. ومن بين أبيات هذه القصيدة الرقيقة التي مطلعها «الميت الحي» وقد نظمها الشاعر عندما ألمت به وعكة وشعر انه ينتهي: داوي ناري والتياعي وتمهل في وداعي يا حبيب العمر هبْ لي بضع لحظات سراع وابك جبار الليالي هده طول الصراع وا ضياع الحزن والدمع على العمر المضاع ما يهم الناس من نجم على وشك الزماع غاب من بعد طلوع وخبا بعد إلتماع