تقول الحكاية الشعبية السودانية ان احدهم اختار، مرغما، أحد خرافه من المراح لبيعه لقضاء حاجة له، وبيع«السعية»، يمثل الخيار المر لمربي الماشية في بلادنا:الشديد القوي هو الذي يضطره الى بيع بهيمته لتحويل ثمنها لغرض آخر.الخروف الذي اختاره هذا الراعي صاحب المراح كانت «صوفته طويلة وخشنة»، ما يدل على انه هزيل البنية جائع وخالٍ من اللحوم والشحوم، وعلى العكس فان الخروف الممتلئ البنية المكتنز شحماً ولحماً يوصف بان «صوفته قصيرة وناعمة»، وكان لا يستطيع من وطأة الهزال التحرك، بنشاط وحيوية. افضل وصف له انه خروف «مضبلن». وفي السوق قدم الراعي خروفه «المضبلن»هذا لاحد السماسرة، وطلب منه ان يروج لبيعه، وحدد لذلك سعراً معقولاً، يتناسب وحال الخروف «المضبلن»، ولكن السمسار «طمع» في البيعة ورفع السعر الى ارقام غير مناسبة في حالة «الضبلنة»هذه، وبدأ السمسار يروج للخروف المربوط على وتد في السوق بمنطق غير واقعي وكلمات معلقة في سماء امنياته:انظر انه صغير السن، وهو غير ذلك.وانظر هذا الذيل الممتلئ بالدهن، والحقيقة ان ذيله يقترب من ذيل الفأر، وانظر هذه الحيوية،والحقيقة التي مثل ضوء الشمس في بلادنا ان الخروف علامته الاولى هي «الضبلنة». وعندما اسرف السمسار في تضخيم قيمة الخروف وميزاته غير الموجودة اصلا،اصيب الخروف بمفأجاة ، وحدق في السمسار باستغراب شديد، وشملته رغبة في الضحك،وامتلأ جوفه بالضحك على «حصص التضخيم»،التي يقدمها السمسار للزبائن في السوق، فوضع الخروف يده على فمه، وأشاح الخروف بوجهه الى الناحية الاخرى، قبل ان يتفجر بضحك اخذت بزاوية حادة:«اف .. اف .. اف... »، وقال:«اخجلتم تواضعنا»، ثم قال: بااااع . هذا، وقد فوجئ الرئيس الامريكي اوباما بقرار لجنة جائزة نوبل الشهيرة بانه الفائز هذا العام بجائزة نوبل للسلام للعام 2009 ، ثم قال في خطاب رسمي معبرا عن تلك الحالة الفجائية التي انتابته «انني متفاجئ..لقد اخجلتم تواضعي»، وعبر عن خجله ذلك بالقول:«لا اشعر بانني استحق ان اكون برفقة الكثيرين من الشخصيات التي غيرت العالم»، اي انه اقل من قائمة العظماء، الذين حصلوا على نوبل في مختلف المجالات: الآداب والسلام والبيئة والتنمية، مثل ماركيز الكولمبي، والعربي المصري نجيب محفوظ، والامريكي كارتر،والبنغالي احمد يونس والكينية «انغاري ماثاي»، المعروفة ب «سيدة الاشجار»، والقائمة طويلة في العالمين الاول الثاني والثالث، ربما الرابع. وقال اوباما في غمرة دهشته بالجائزة أنه يعتبرها «نداء عمل بدلا عن اعتراف بانجازات شخصية حققها»،وبرر قبوله بالجانزة بأن اللجنة في وقت سابق من التاريخ «لم تمنح جائزة نوبل، فقط، لتكريم انجاز محدد ، فيما استخدمت،ايضا،لاعطاء دفع لعدد من القضايا»، وقال:«لهذا اقبلها». قالت لجنة نوبل ان الجائزة منحت لاوباما لجهوده الاستثنائية من أجل تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب. تلك الجهود حتى اللحظة، عناوين، لم تتعد مرحلة النوايا الحسنة والتوجهات الصحيحة وسياسات اكثر واقعية،طرحها اوباما في خطاباته الشهيرة في المانيا امام الاوروبيين،وفي تركيا لهؤلاء وأؤلئك، وفي مصر للعرب والمسلمين، وفي افريقيا للافارقة، وفي الاممالمتحدة لكل الدنيا، وامام تلك الجهود اختبارات صعبة ومشوار طويل، وعلى اوباما ان يقطعها، ليثبت للعالم انه يعني ما يقول، وانه طابق الاقوال بالافعال. امامه الوصول بنوياه الى واقع فيه عالم بلا اسلحة نووية، وافغانستان آمنة مستقرة، وعراق آمن مستقر، وعالم تتعايش فيه كل الديانات بسلام، وشرق اوسط بدولتين متعايشتين بسلام، ووجه امريكى جميل على المرآتين:الداخلية والخارجية، وليس هذا الوجه «القبيح»، الذي رسمه بوش وعصابته لبلادهم. لذلك،فان منح الجائزة لاوباما، هي جائزة لنواياه الحسنة،وتعتبر جلبا «للوتد قبل العتود»، وتشجيعاً مبكراً للاعب جيد. قال احد الكتاب الامريكيين الكبار الداعمين لاوباما وهو «نيكولاس كريستوفر «انه يحترم جهود اوباما في الشرق الاوسط ولكن تبدو الجائزة مبكرة جدا»، وهو كذلك. بل هل ستسحب منه الجائزة في حال فشله في تحقيق تلك النوايا والوعود البراقة. وبا ااااع...اخجلتم تواضعنا!