(1) لا يمكن تعريف الدائرة بقواعد المربع .. أو شرح المنحنى بمعطيات المستقيم .. أو إعطاء الماء شكلاً محفوظاً يتمرد على القوالب .. أو اختزال المنطق .. واللغة .. والذوق .. والجمال .. والمجد .. والهزيمة .. إلا في عالم كرة القدم ! .. ليلة أمس أحرزت (غانا) كأس العالم في كرة القدم للشباب .. بفوزها على البرازيل بركلات الترجيح في المباراة النهائية .. غانا التي يعيش أغالب سكانها على الزراعة ويعيش بعضهم على الرعي، تصدرت دول العالم وهزمت البرازيل خامس دولة في العالم من حيث المساحة، وعاشر دولة في العالم من حيث الدخل الاقتصادي السنوي .. فعرفت الدائرة بقواعد المربع .. واختزلت منطق السياسة ولغة الاقتصاد بين ركلات الأرجل ! (2) “إننا على ثقة أن وجودكم في الولاياتالمتحدةالأمريكية سوف يسهم إلى حد بعيد في دعم العلاقات بين بلدينا” ! .. كان هذا نص البرقية التي بعث بها مستشار الأمن القومي الأمريكي آنذاك “هنري كيسنجر” إلى أسطورة كرة القدم البرازيلية “بيليه” وليس رئيس دولة ! .. والتي نشرت الصحف الأمريكية نصها في سبعينات القرن الماضي إبان وصوله إلى الولاياتالمتحدة، للعب مع نادي “نيويورك كوزموس” مقابل مبلغ مالي فلكي ! .. كان هذا بعد أن قاد “بيليه” البرازيل لإحراز كأس العالم والاحتفاظ به إلى الأبد، وأعلن اعتزاله اللعب، وقبوله عقد الفريق النيويوركي، والسفر إلى أمريكا .. لكن الجماهير البرازيلية ثارت وهاجت، وتدخلت الحكومة، فتراجع “بيليه” عن إتمام الصفقة” .. وكأزمة لا تقل عن أي معضلة سياسية كبرى بدأت المساعي الدبلوماسية الأمريكية وتوترت العلاقات بين البلين، فتدخل “كيسنجر”، وتم توقيع العقد، مقابل تسهيلات تمنحها الحكومة الأمريكية للحكومة البرازيلية ! .. وتناقلت وكالات الأنباء صور “بيليه” وهو يقدم عرضاً في اللعب بالكرة بمهارة ساحرة، ليس بملابسه الرياضية بل بالبدلة الرسمية وليس في ملعب كرة القدم، بل في حديقة البيت الأبيض، أمام الرئيس “كارتر” ! .. هل تصدق أن الخبراء والمحللين يقولون عن هذه الحادثة إنها قد زادت من شعبية الرئيس وليس الضيف؟ .. فشعبية البطل الرياضي العالمي أقوى من شعبية الرئيس ! .. ليس ذلك فقط .. النجاح الرياضي وجه آخر لعملة النجاح السياسي و الاقتصادي، بدليل الدور الذي لعبه “بيليه” عندما أثيرت أزمة الديون البرازيلية .. بوساطته السرية واستغلال نفوذه السياسي لدى الإدارة الأمريكية لتخفيض يون بلده، ونجاحه في إقناع الأطراف بمنحها فترات سماح جديدة، وإعادة جدولة ديونها ! .. هكذا لعبت بطولة “بيليه” الرياضية على أوتار الاقتصاد .. فهل من مذكر ؟! .. (3) الرئيس الزائيري “موبوتو سيسي سيكو” استدان من البنك الدولي في عز فقر بلاده لينظم مباراة الملاكمة الشهيرة التي جمعت “محمد علي كلاي” و “جورج فورمان” .. في سبعينات القرن الماضي .. وقبل المباراة سأله أحد الصحفيين : هل يحتاج الشعب الزائيري لمثل هذه المباراة .. أم يحتاج إلى الطعام ؟! .. فأجاب .. إن العالم كله سوف يعرف بعد المباراة أن هناك دولة مهمة اسمها (زائير) وسوف يأكل الشعب بعدها حتى يشبع بعد قوم المستثمرين لحضور هذا الحدث العظيم ! .. وما أن فاز “محمد علي كلاي” على “جورج فورمان” بالضربة القاضية، حتى استغل “موبوتو” الفرصة وبدأ يتحدث عن وحدة “زائير” .. محاولاً غسل ديكتاتوريته السياسية ببطولة “كلاي” ! .. هكذا تضرب الرياضة على طبول السياسة .. فيسقط الإعلام الدولي بالضربة القاضية .. فهل من مذكر ؟!