غيّب الموت في الأيام الفائتة ثلاثة من النجوم الزواهر في حديقة اليسار السوداني «فاروق كدودة» الشيوعي النبيل والقيادي المرن والاقتصادي المرموق والدكتور القدال المؤرخ والكاتب الاشتراكي الصلد والفيلسوف الساخر.. وغادر قبلهم تدريجياً ثم فجأة الثائر « الأديب» بشار محجوب الكتبي، والذي لم يجد مثل «كدودة والقدال» عليهما الرحمة نعياً يليق به أو مرثية في مقامه - بشار محجوب- تخرج في المعهد العلمي الذي تخرج منه جماع والتيجاني وغيرهما من الافذاذ.. لذلك بدأ اتجاهه إلى اليسار مدهشاً وأي يسار؟!.. تعرفت عليه بعد خروجه من سجون مايو عشية انتفاضة ابريل كان أقدم سجين سياسي آنذاك اذ سجن بسبب حركة مسلحة بعد قيام مايو بشهور وقبل أن ينتهي شهر عسلها مع الحزب الشيوعي اطلق على حركتهم «حركة الجي?اريين، أو طلائع الكادحين الثوار.. تعرفت على شيوعي مختلف جملة وتفصيلا سمعته منه نقداً عنيفاً وعميقاً للحزب الشيوعي السوداني والسوفيتي «كمان» كان قد انحاز في البدء «للماويين» الحزب الشيوعي الصيني ثم عرج على حزب العمال والفلاحين واخيراً انضم الى المجموعة التي فجرت الحركة الشهيرة والتي لم يلتفت اليها كتاب التاريخ المعاصر فكانت رائدة الحركات المسلحة في افريقيا تتوسل عبر جي?ارا وتنتخب الكفاح المسلح. مع بشار اطلعنا على مدارس الاشتراكية المعاصرة عرفنا ريجي دوبريه .. وروجيه جارودي وثورة الطلاب في فرنسا.. وتطلع الشباب الى امريكا الجديدة في امريكا.. اتاح لي مكتبته العامرة بكتب التراث فقرأت بفضله البخلاء.. الحيوان.. طبقات ودضيف الله تفاسير القرآن المختلفة بجانب كتب أدبية قديمة وحديثة. كان بيته بالحارة الخامسة مدينة الثورة موئلاً للأدب والفن.. كان بيته جاليري ومكتبة ونادياً فكرياً وادبياً وفنياً.. فتجد لوحاته ولوحات اصدقائه تملأ البيت واركانه. طبقت شهرة بيته الجميل هذا الآفاق .. حتى أصبح الكثيرون يرغبون في زيارته ومن اولئك الزميل الصحافي «حسين خوجلي» الذي كتب عنه في «الوان» الأولى مقالاً تساءل فيه هل يكون بشار «شيبون الجديد» ورد عليه بشار في اعلان متشدد بأنه لم يتخل عن الماركسية ولن يتخل عنها وسيموت دونها كان يعمل صحافياً في مجلة حضارة السودان التي تصدر بالقاهرة.. واذكر إنه كان يريد أن يقيم مشروعاً استثمارياً صغيراً.. وكان مشروعه مطعماً بسوق «الحارة السادسة» اسماه «مسكين ياكل» وأكل المساكين ولم يدفعوا فتحول المشروع إلى مكتبة لبيع الصحف.. كان «بشار الكتبي» مؤسسة، كان «كمبيوتر» بشرياً.. يعرف في كل شئ.. كان يحمل مواهب كثيرة شتته فنياً.. فكان رساماً.. وشاعراً.. كاتب قصة.. ناقداً.. ومفكراً سياسياً.. يريد أن يطرح مشروعه الكبير.. بقلب مثقوب.. كان عفيف اللسان لا يتحدث بسوء عن انسان مهما اساء اليه.. كان يعتبر البشر عياله.. رحمه الله وغفر لنا وله..