ماذا نفهم من تمسك الحكومة المصرية برئاسة السيد محمد مرسي بالوضع في حلايب كما ورثته عن نظام حسني مبارك، واستقبال قيادات من العدل والمساواة بواسطة حزب الحرية والعدالة المتفرع من جماعة الإخوان المسلمين؟. الدرس المهم الذي تقدمه حكومة مرسي للإخوة في السودان، هو أن الإخوان المسلمين في مصر ليسوا على استعداد للإطاحة بمكتسبات الدولة الوطنية المتحققة لصالح دولة الفكرة الأممية التي داعبت خيال الإخوان المسلمين في الماضي بشعار (.. كالبناء إخوة، بين مصر والسودان، والعراق واليمن، وثبة الى الأمام فوق هامة الزمن، كالأسود لا نهن). الآن أدرك إخوان مصر أن حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر، وعليه سيكون من الصعب على الرئيس محمد مرسي رغم خلفيته الإسلامية التراجع عن حلايب وتقديمها إلى الإخوان في السودان ولسان حاله يقول: (هذه بضاعتكم ردت إليكم)، ولن يغامر الرئيس مرسي بطرد الحركات المسلحة الدارفورية من القاهرة من أجل إرضاء الإخوة في السودان. وضع مرسي المهزوز في الداخل لن يسمح له بأن يفترع طريقاً يخرجه عن المسار الموضوع للدولة المصرية بواسطة السادات في قضية فلسطين (اتفاقية كامب ديفيد) أو بواسطة حسني مبارك في العلاقة مع السودان (قضية حلايب)، غير أن الأنكى من ذلك هو أن يكون مرسي نفسه وجماعة الإخوان لا يريدون أن ينتهجوا مع السودان سياسة مغايرة لما كانت عليه مصر قبل ثورة خمسة وعشرين يناير. ولكن ليس معنى هذا أبداً، أن تبادر الحكومة السودانية وعلى أعلى المستويات لالتماس العذر للحكومة المصرية في احتفاظها بمنطقة حلايب.. تصريحات د. نافع التي أبدى فيها تفهماً للموقف المصري، من شأنها أن تعزز قناعة القاهرة بالاحتفاظ بمنطقة حلايب، وستوفر للسيد مرسي مبرراً موضوعياً لأن تظل حلايب بعيدة عن السيادة السودانية. إذا كان الإخوان المسلمون في مصر والإسلاميون في تونس قد اتعظوا من التجربة السودانية واستفادوا من أخطاء إخوانهم الإسلاميين القاتلة في الخرطوم الذين حاولوا بحماس واندفاع حمل هموم الأمة الإسلامية، وتكفلوا دون ذكاء بعبء قيام دولة الخلافة الكبرى، فإن الإسلاميين في الخرطوم أولى بالاتعاظ من تجربتهم أنفسهم. وان من أولى عتبات الاتعاظ هو عدم تكرار الأخطاء القاتلة تحت أي شعار سياسي أو ستار فكري.