٭ أسئلة كثيرة تلوح في الأفق عن طبيعة الحديث الذي دار بين رئيس الجمهورية المشير عمر البشير ونظيره المصري محمد مرسي عن «حلايب».. بيد أن الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي نُوقشت من خلال التمثيل الوزاري الواسع توحي بأنه ليست هناك قضية عالقة بين الخرطوموالقاهرة، فالقيادة السياسية التي تتحدث عن التكامل لا أحسب أنها ستغالط التاريخ حول «سودانية حلايب» التي حاول نظام حسني مبارك الغابر أن يجعلها مصرية رغم أن حقائق التاريخ والجغرافيا تقول بسودانيتها، التي لا تقبل التشكيك.. وقد شهد الناس كيف حاولت الآلة الإعلامية لحسني مبارك أن تجعلها مصرية من خلال الدراما والنشرات الجوية واللقاءات التي تجريها مع من تطلق عليهم «زعامات» حلايب على أنهم ينتمون لمصر، حتى قال ذات مرة أحدهم وكأنه «يستدرك خطأ وقع فيه»: لا تنظروا لهذه «العمامة» فأنا مصري وليس سودانياً، وأن أهل حلايب ينتظرون الخدمات!! ٭المهم أن الأوضاع تغيرت بدرجة لم تكن في الخيال، حيث يقبع حسني مبارك في السجن، ولا يجد من يؤانسه، فيما يمسك محمد مرسي بمقاليد الأمور كلها بعد كان «منبوذاً» وفق معايير حكومة حسني مبارك الآفلة.. وهو واقع يجعل القاهرةوالخرطوم اقرب لبعضهما مقارنة بأي وقت مضى، على خلفية أن القيادة السياسية في العاصمتين تنطلق من آيديولوجية واحدة، حتى وإن كانت هناك تحفظات من قبل القاهرة وربما «مخاوف» من «حالة الارتباك» التي حدثت في تجربة الخرطوم، حتى بلغ بها حد المفاصلة الشهيرة حينما أودع الشيخ د. حسن الترابي السجن، قبل أن يكون حزب المؤتمر الشعبي.. غير أن كثيراً من تلاميذ الشيخ مازالوا يديرون الملفات الصعبة وهم ينحازون لمعسكر المؤتمر الوطني، وهذه يمكن أن تكون بمثابة تطمينات للقاهرة وتحديداً «جماعة الإخوان المسلمين» التي تختلف في تركيبتها وأسلوب عملها عن «الحركة الإسلامية». ٭ ويبقى الذي يهم شعبي وادي النيل، وهو أن تكون علاقة الخرطوموالقاهرة نابعة من إدراك حقيقي لحاجة البلدين لبعضهما، على أن يمضيا معاً بكل احترام وتقدير بعيداً عن روح الاستعلاء التي كانت تهب كثيراً من الشمال.. وإذا تحقق هذا الأمر فإن «حلايب» ستعود سودانية، أو بعبارة أخرى فإن مصر لن تكون في حالة ادعاء بمصرية حلايب، وليهنأ البني عامر والبشاريون والعبابدة والبجة والأمرأر بخدمات اجتماعية لا تعرقلها الخلافات السياسية.. وبطبيعة الحال سيتم إطلاق سراح جميع قيادات حلايب الذين سجنوا خلال نظام المخلوع مبارك. ٭ وحتى لا تتكرر الأسئلة عن مصير حلايب يجب على البلدين الإسراع في وضع اتفاقية الحريات الأربع موضع التنفيذ، وتسريع افتتاح الطريق البري، وإطلاق مشروعات الاستزراع السمكي، وفلاحة الأرض، وإقامة الأسابيع الثقافية في القاهرةوالخرطوم، وتجسيد عرى العلاقة الأزلية من خلال الدراما المصرية التي ستخلو حتماً من «عثمان البواب» و «عبده السفرجي»، و«إدريس الأهبل»!! كما بُشر بذلك من خلال مسلسل «الخواجة عبد القادر» الذي أنصف لأول مرة الشخصية السودانية. ٭ ونأمل أن يتحقق حلم الشعبين في وادي النيل الخصيب.