وضعت الدكتورة عبير خليل سمساعة مشرطها على مكامن داء خفي يحتاج الى نوع آخر من العلاج، خلافاً للذي درسته في كلية الطب جامعة الخرطوم ، وعلى الرغم من صغر سنها إلا أنها تتمتع بروح الوصايا حتى أن ديوان شعرها الأول (عبير) جاء كمجموعة نصائح لوجه الله ، إيماناً منها أن: ما من كاتب إلا ويفنى ويبقى الدهر ما كتبت يداه ? فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه .وكان هذا الفهم محركاً لقيم داخلية لعبير حرضتها في النهاية على البوح . إلا ان بوحها جاء مختلفا قليلا على فتاة في عمرها، فهي كما قالت مهووسة بالسياسة وقراءة الصحف بصورة ملاحظة حتى أنها لا تجد تفسيرا لاهتمامها هذا ، إلا وانه في النهاية أعطى لونا مختلفا على كتابتها الشعرية، حيث جاءت ذات طابع سياسي واجتماعي ، حيث تأثرت بموت بن لادن وكتبت قصيدة وهي بالمواصلات وكتبت ( حرب العراق ، مجزرة غزة ، الربيع العربي، مقامة اغتربية ، وصرخة انثى ) هذا إضافة الى مجوعة قصائد مثقلة بالحزن والعتاب ، سألتها عن موقع الرومانسية من شعرها فكانت إجابتها واقعية لكنها لاتخلو من غرابة : تردد في الكتابة في العواطف لاني اعتبر هذه حياة خاصة جدا ، هذا اضافة الى انني واقعية ولا أحب الرومانسية الزائدة التي تجعل الشخص يذهب في اتجاه العاطفة ولايعيش واقعه ، لان الصورة الزاهية للحياة التي نرسمها بأيدينا تختلف عن الواقع، الأمر الذي يتسبب في صدمات . هذه الرومانسية ربما بداية لم تقنع عبير من خلال تدفقها في روايات عبير التي اخذت لب كل فتاة في فترة من الفترات ورأت انها لا تعبر عن واقع الفتاة السودانية، لذلك عزمت على إخراج سلسلة (عبير) الشعرية لتمحو عدم الواقعية التي خلفته (عبير) الرومانسية . هذه الروايات جعلت من الرومانسية سلعة في السوق، الكل يبحث عنها دون ان يعرف ماهي؟ اضافة الى ان هناك اعمارا صغيرة تتأثر بما يكتب ، فانا بطبيعتي لدي روح الوصايا في حياتي فحتى في المرض هناك شق نفسي وشق جسدي اذا لم نضع يدنا على الحالة لا نستطيع ان نقدم لها حلاً . قد يلمح البعض في تسمية الشاعرة للديوان باسمها ملمحا من النرجسية ، الا انها لم تنظر للامر من هذه الزاوية : فكرت في الرابط بين كل القصائد ولم أجد غير نفسي لذلك جاء اسمه من اسمي.، عبير لم تكتب الشعر في شخص معين لكنها في بعض القصائد كتبت الشخص الذي تتمناه أو الاشياء التي تؤثر عليها ، ومابين السياسة والمطالب الشخصية حالة حزن تلف كتابات عبير : الحزن حالة هي التي تتسبب في الشعر وهو واحد من اساليب الكتابة ووسيلة للراحة ، بدأت الكتابة بصورة واسعة في فترة الجامعة ولم اتخيل ان تنتهي باصدار ديوان ، كنت اكتب سرا على الرغم من ان الكتابة ليست شيئا غريبا في بيتنا، فعمي زكريا سمساعة شاعر وصاحب ديوان (الهلال عبر الاجيال) ووالدي كان صحفيا ومذيعا وأختي تكتب الشعر، السياسة هي من جعلتني اكتشف قدرتي على الكتابة فبدأت بالشعر السياسي بعد ان انفعلت بقضايا واستفزتني تصرفات . جينات الكتابة متوفرة لكنها الكتابة والطب التقيا في حالات ابداعية قليلة : الطب ليس دراسة جافة فنحن نتعامل مع الانسان ونتفاعل مع مشكلات الناس والطبيب هو أكثر من يواجهه مشكلات الآخرين ويبحث لها عن حلول . والرابط بين الطب والشعر عند عبير الاستماع في كل ، :الطب يجعلك تستمع للآخرين والشعر يجعلك تستمع لنفسك ، وكما تحل مشكلات الآخرين تحل مشكلات نفسك.. فهو وسيلة للتعبير عن الاشياء الخاصة كأنما يكلم المرء نفسه ، وهو كذلك حالة من التراكمات تصل في النهاية الى مرحلة التعبير . لو رجع الزمان الى الوراء لاختارت عبير دراسة الطب مرة اخرى فبحسب قولها هو يخلق هارموني في الحياة ، وعلى الرغم من كل شيء: كنت ارسم ولدي اعمال يدوية لكن بعد ان دخلت الطب( راح) ..ضحكت, خلاني اكتب من الشمال لليمين فعندما اكتب عربي (احس يدي تقيله).، عبير كذلك مهمومة بقضايا البنات على وجه الخصوص حيث تتفاعل مع مشاكلهن خصوصا وانها لحظت تقليدا أعمى لممارسات وظواهر تصنف في طور السالب .هي لاتحاول صناعة الشعر ، تحب ان تقرأ وتسمع وتتفاعل مع من حولها وطالما هناك استمرارية في الحياة، ستتواصل سلسلة عبير الشعرية .